تحل علينا خلال أيَّام الذكرى الخامسة والثلاثون (35) للوحدة اليمنية في ظل تحولات عميقة أثرت على مختلف مناحي الحياة في البلاد، سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، وبينما كان إعلان الوحدة في الثاني والعشرين (22) من مايو يمثل لحظة تاريخية فارقة وطموحًا شعبيًّا واسعًا، إلا أن المسار الذي أعقب هذا الحدث شهد تحديات كبيرة؛ إذْ دفع باليمن إلى واقع معقد ومتعدد الأبعاد.

جاء مشروع الوحدة كثمرة لتوافق سياسي بين نظامين مختلفين، لكنها واجهت منذ البداية صعوبات في إدارة التنوع السياسي والإداري، واستيعاب جميع الأطراف واستقطاب الكفاءات والقوى الوطنية الحقيقية، وهو ما أدى إلى مزيد من التوتر بين القوى السياسية الرئيسية، والوصول إلى اندلاع حرب أربع وتسعين (94)، التي أسفرت عن سيطرة طرف واحد على السلطة، مما أثر على توازن الشراكة الوطنية لاحقًا، ومع مرور السنوات وتعمق المركزية في مفاصل الدولة وإدارة مرافقها وملفاتها السياسية الداخلية والخارجية؛ برزت حركات تطالب بإصلاح مسار الوحدة، وتطورت لاحقًا إلى مطالبات أكثر حدة في بعض المناطق، في ظل تراجع دور الدولة المركزية وتصاعدت إلى ظهور كيانات محلية مسلحة.

واليوم يعيش اليمن حالة من الانقسام السياسي والجغرافي؛ إذْ تتعدد السلطات، وتنافست القوى المحلية على إدارة المناطق، مما انعكس على فعالية مؤسسات الدولة وعلى فرص الاستقرار السياسي.

على الصعيد الاجتماعي: أثرت التحولات السياسية والصراعات المتكررة على تماسك المجتمع اليمني، وتصدع الكثير من القيم والأعراف المجتمعية، إضافة إلى تدني وظائف السلطات المحلية وبرامجها الاستثمارية والتنموية؛ فقد شهدت بعض المناطق تراجعًا في الخدمات العامة والبنية التحتية، كما تضرر قطاع التعليم والصحة بشكل ملحوظ، أيضًا ساهمت النزاعات على مدى السنوات في نزوح ملايين اليمنيين داخليًّا، وظهور هويات محلية متباينة، مما أضعف من الشعور بالانتماء الوطني الجامع، ورغم هذه التحديات، لا تزال هناك أصوات مجتمعية وطنية تدعو إلى تبني قيم التعايش وتعزيزها، والحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي، وإيجاد حلول عادلة تضمن مشاركة الجميع في صنع القرار والاستفادة من الموارد.

وعلى رغم مما مرت به الوحدة اليمنية من صعوبات، فهي ما زالت تمثل لدى كثير من اليمنيين قيمة وطنية ورمزًا متفائلاً للأمل في مستقبل أفضل، في المقابل هناك من يرى أن معالجة آثار المرحلة الماضية، تتطلب إصلاحات جذرية تضمن العدالة والمساواة بين جميع المناطق والمكونات، وتكفل توزيعًا عادلاً للسلطة والثروة. كما تتباين الرؤى حول مستقبل الوحدة؛ بين من يدعو إلى نظام فيدرالي يراعي خصوصية الأقاليم ويضمن حقوقها، ومن يطالب بمزيد من الصلاحيات المحلية في إطار الدولة الموحدة، بينما تظل الحلول الانفصالية، ومن يطالب بالعودة إلى شكل الدولة إلى ما قبل 90 مطروحة بقوة، ومحل نقاش سياسي واجتماعي واسع؛ كونها السبب الذي أدى إلى هذا التدهور.

إن الوحدة اليمنية اليوم تقف أمام مفترق طرق، بين تداعيات الماضي وتحديات الواقع وطموحات المستقبل؛ إذْ يتطلب تجاوز الأزمات الحالية حوارًا وطنيًّا شاملاً يشارك فيه الجميع، وإرادة سياسية وطنية تضع مصلحة اليمنيين فوق كل الاعتبارات، مع التأكيد على أهمية العدالة الانتقالية، وإصلاح مؤسسات الدولة، ووقف التدخلات الخارجية التي تعمق الانقسام.

وعلى العموم، يبقى مستقبل الوحدة مرهونًا بقدرة القيادات اليمنية ورغبتها وحرصها بشكل خاص، واليمنيين بشكل عام على بناء عقد اجتماعي جديد يضمن المواطنة المتساوية، ويعيد الثقة في الدولة، ويحقق تطلعات الشعب نحو الأمن والاستقرار والتنمية.

22 مايو

قراءة في ذكرى الوحدة اليمنية: مسار التحولات وواقع التحديات