مقدمة
شهد الملف السياسي اليمني حراكا حثيثا خلال الشهر الماضي والحالي بعد ما شهد ركودا إبان انطلاق معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر من العام الماضي التي غيرت الكثير من الملفات الإقليمية والدولية وموازين القوى وقوى الردع لدى أطراف إقليمية لها علاقة بالمشهد اليمني، فيما كان الملف السياسي يتجه نحو التوقيع على خارطة الطريق التي أعلن عنها المبعوث الخاص للأمم المتحدة لدى اليمن [1] في ديسمبر نهاية العام المنصرم 2023م، والتي تتكون من ثلاث مراحل حسب ما سُرِّب أثناء تلك المفاوضات التي كانت تحيطها الكثير من السرية حتى على الحكومة المعترف بها شرعيا، والتي تعتبر أحد أطراف هذا النزاع، والتي بدورها أبدت تحفظا على هذه المفاوضات في وقتها؛ لما يعتريها من تخوفات إزاء نتائجها. فماهي الدوافع التي دفعت الأطراف اليمنيَّة المتنازعة للعودة لمسار المفاوضات؟ وماهي السيناريوهات المتوقعة لهذه العودة؟
السياق
منذ نجاح إعلان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى اليمن هانس غروندبرغ عن هدنة مدتها شهران تبدأ في 2 أبريل 2022م، وتنتهي في 2 يونيو 2022م قابلة للتمديد [2]. حيث كان الهدف من الهدنة توفير بيئة مواتية للتوصل إلى تسوية سلمية للنَّزاع، وصدور الاعلان الرئاسي بنقل السلطة، وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي [3] بعد خمسة أيام من إعلان الهدنة بتاريخ 7 إبريل 2022م، الذي بموجبه تشكل مجلس الثمانية الرئاسي برئاسة د. رشاد العليمي الذي صرح بأنه يملك خيارات عديدة للتعامل مع الوضع الراهن، وكان من أبرز تلك الخيارات التي تتوافق مع الجهود المبذولة لتحقيق السلام هو الاندماج في مفاوضات سياسية شاملة؛ لإنهاء الانقلاب الحوثي على الشرعية، الذي كان في سبتمبر من العام 2014م بدخول جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء [4]، وإجبار الرئيس عبدربه منصور هادي، ورئيس حكومته خالد بحاح، وعددا آخر من الوزراء على الإقامة الجبرية قبل هروبه إلى عدن، وإعلانها عاصمة مؤقتة للبلاد في فبراير من العام 2015 [5]، الذي يعتبر حدث أدخل البلاد في مزيد من الصراعات والنزاعات، أوصلتها لمرحلة المواجهات العسكرية منذ البداية عندما حاول الحوثين استكمال سيطرتهم على مؤسسات الدولة وأراضيها، وإخضاعها للحكم؛ لذلك تم تجديد الهدنة بعد نهاية الشهرين عدة مرات حتى هذه اللحظة مع ما شابها من خروقات عدة من قبل الحوثين الذين حاولوا مرات عدية التقدم في جبهات القتال نحو مناطق سيطرة الحكومة الشرعية التي واجهت هذا الخروقات في جميع الجبهات خاصة في جبهة مأرب والضالع وتعز التي تشهد اشتباكات متكررة بين فترة وأخرى لحد هذه اللحظات. كان التوافق الدولي والإقليمي الراعي للعملية السياسية لإنهاء الأزمة اليمنية في تفاؤل بنجاح تلك الجهود والوصول لتفاهمات بين الأطراف اليمنية المتنازعة؛ لإحلال السلام والبدء بعملية سياسية من شأنها إيجاد صيغة جديدة تمكن اليمنيين من التعايش، والمضي قدما في بناء الدولة الجديدة وفق المرجعيات الثلاث، لكن الحوثين وجدوا مخرجا لهم مرة أخرى للتملص من التزامهم بالاستحقاقات المترتبة على توقيع خارطة الطريق بالدخول على خط المواجهة في البحر الأحمر تحت حجة دعم المقاومة الفلسطينية التي تخوض حرب مع العدو الصهيوني منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى، والتي رأت جماعة الحوثي أنها كسبت تأييد الشارع اليمني بهكذا خطوة، واستطاعت أيضا تعزيز قدراتها البشرية بحملات تحشيد لمجندين جدد في صفوفها تحت نفس المبرر (محاربة أمريكا وإسرائيل ونصرة المسجد الأقصى). وأيضا وجدت فرصة لإيصال صوتها للخارج ومحاولة فرض نفسها على المشهد الإقليمي والدولي كفاعل لا يمكن إغفاله في أي مرحلة قادمة.
ماهي الدوافع التي دفعت بالأطراف اليمني المتنازعة للعودة لمسار المفاوضات؟
لدى كل طرف مؤثرات وعوامل دفعت به نحو العودة لمسار المفاوضات بعد أن وجد كل طرف الطرق مسدودة للحسم العسكري، فيمكننا استعراض هذه الدوافع لكل طرف على النحو التالي:
- الطرف الأول (الحكومة الشرعية):
منذ البداية كانت الحكومة الشرعية لديها تخوفات من مسار المفاوضات الذي اعتبرته مبهم كونها لم تشارك فيها بشكل مباشر، حيث عبرت بعض الأطراف من داخلها عن استيائها من هكذا تعامل معها من قبل الرعاة لهذه الجهود الرامية للسلام؛ كونها الحكومة المعترف بها دوليا، والمسؤول الأول أمام الشعب اليمني عن كل ما يمكن الوصول إليه من نتائج في النهاية، لكنها بنفس الوقت رحبت بهذه الجهود؛ لعدة أسباب: أبرزها الضغوطات التي تتعرض لها من مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة وقيادة التحالف العربي اللذين كانا أبرز الرعاة لهذه المفاوضات، أو من صاغ مسودتها، حتى وإن لم يكن هناك تأكيد رسمي حسب ما تعتبره بعض الأطراف المشاركة بالشرعية التي لم تجد أيضا صيغة توافق بينها وبين بقية الشركاء في الشرعية اليمنية المشكلة في بداية العام 2022م، وما تحملته الحكومة من أعباء اقتصادية بسبب الحرب التي تشنها جماعة الحوثي على الاقتصاد في مناطق سيطرة الحكومة بعدة طرق من أبرزها ضرب موانئ تصدير النفط في حضرموت وشبوة في أكتوبر من العام 2022م بعد الحديث عن فشل تمديد الهدنة [6]، وإجراءات أخرى متتالية قام بها الحوثين من أجل الضغط على الشرعية، وإدخالها في مواجهة صعوبات اقتصادية من شأنها إضعافها، وتحقيق مكاسب إمامها بعد فشل العمليات العسكرية في الحسم لصالحهم، وانتهاءً بعملية صك عملة معدنية من فئة المائة ريال حينما أعلن محافظ البنك المركزي التابع لجماعة الحوثي هاشم إسماعيل، عن إصدار عملة معدنية من فئة 100 ريال، والتي بدأ تداولها ابتداء من الـ 21 من شهر رمضان 1445هـ الموافق 31 مارس 2024م [7] التي اعتبرتها الحكومة الشرعية محاولة لتقسيم الاقتصاد اليمني، ولا يمكن القبول بهذا التصعيد من قبل الحوثي، فكان لابد من مواجهته بقرارات اقتصادية صارمة، فقام البنك المركزي بعدن بإصدار عدة قرارات كانت نتائجها إيجابية في إضعاف الحوثيين في الملف الاقتصادي، والذي يدعم ذلك ردود الفعل التي قام بها الحوثين بعد قرارات البنك المركزي بعدن. وقد شهدت الأشهر الماضية تصعيدات من كلا الطرفين في استخدام الأدوات الاقتصادية ضد بعضهما البعض تارة كفعل أولي، وتارة كرد فعل عن ما يقوم به الطرف الأخر حتى وصل الحال لما هو عليه الوضع في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية من تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين، وانهيار العملة المحلية (الريال) مقابل العملات الأجنبية، وتزايد مطالبات الشارع للحكومة بوضع حد لهذا الوضع المعيشي السيء والانهيار المستمر للعملة المحلية، وخاصة أن هناك فساد مالي وإداري يعتري مؤسسات الحكومة الشرعية ساهم أيضا في تردي الخدمات، واستخدام هذا الملف في صراعات بينيه من قبل الشركاء؛ لمحاولة إفشال بعضهم البعض دون مراعاة للأضرار المترتبة على حياة المواطنين، وأهمية المرحلة الحساسة التي تتطلب الاصطفاف من قبل الكل؛ لمواجهة خطر الحوثي والبعد عن كل ما يمكن أي يحدث تصدعات في الجبهة الداخلية والتي تم إنشاء هيئة التشاور والتصالح؛ لأجل هذا الهدف بالتزامن مع الإعلان الرئاسي لتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، والمفترض أن تقوم هذه الهيئة بهذا الدور في تقريب وجهات النطر بين كل شركاء الشرعية، وتوحيد الصف لمواجهة الحوثين وإنهاء انقلابهم على الشرعية. فقبول الحكومة الشرعية بخوض مسار المفاوضات مع استمرار تحفظها على بعض الملفات أتى بعد تردد واضح في إرسال وفدها إلى العاصمة العمانية مسقط، واعتذار ممثل الجيش الوطني في الوفد الحكومي عن الالتحاق بالوفد ومبدئا اعتراضه عن الذهاب لهذه الجولة مسببا ذلك بأنه لن يشارك في أي جولة قادمة، قبل أن يتم السماح بزيارة المخفيين قسرياً وعلى رأسهم الأستاذ محمد قحطان، وتوقف أحكام الإعدام الحوثية، إضافة إلى توقف الحوثي عن حملات الاختطافات التي تشنها ضد المدنيين بمناطق سيطرتها، وفي نفس السياق جاءت تدوينة رئيس الهيئة العليا لحزب التجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي في منصة أكس بتاريخ 4 يوليو تمنى فيها أن يكون للشرعية من يمثلها في هذا المفاوضات [8]، وهي ما أثارت الكثير من اللغط على وفد الحكومة الشرعية المفاوض، إشارة لعدم وجود توافق بين الشركاء الرئيسين فيها. مع أن الهدف المعلن من هذه المفاوضات كان إنساني فيما يخص الأسرى، لكن المتابع يعرف أنها غير ذلك خاصة بعد إعلان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، أن خارطة الطريق لحل الأزمة اليمنية، جاهزة ومستعدون للعمل وفقا لها [9].
- الطرف الثاني (جماعة الحوثي):
أرد الحوثيين الحفاظ على ما يعتبرونه مكتسبات حققوها خلال الفترة الماضية خاصة على الصعيد السياسي كحكومة أمر واقع في شمال اليمن والخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مناطق سيطرتهم، وتزايد حالة الضجر في أوساط المواطنين بعد الفشل في استكمال سيطرتهم على كامل أراضي اليمن بواسطة العمل العسكري الذي وجد مقاومة قوية في جبهات عدة، وباتت الجماعة تعاني من تحقيق أي تقدم في هذه الجبهات، أو تحقيق اختراقات في داخل مناطق سيطرت الحكومة الشرعية بمختلف الأساليب التي كانت تعمل بها، وباتت واضحة ومكشوفة أمام الطرف الأخر الذي أوجد حلولا للتصدي لها وكشفها بسهولة أكثر مما كانت عليه في البداية، فلجأت جماعة الحوثي –المعاد تصنيفها من قبل الإدارة الأمريكية، على أنهم كيان “إرهابي دولي مصنف تصنيفًا خاصًا” (SDGT)، وسط استمرار الهجمات التي تشنها الميليشيا المتمركزة في اليمن، وقد كانت إدارة بايدن قد أزالت تصنيف الحوثيين كـ”إرهابيين دوليين مصنفين تصنيفا خاصًا” (SDGT)، وألغت إدراجها كمنظمة إرهابية أجنبية في فبراير 2021م، بعد أن صنفتها إدارة ترامب في أسابيعها الأخيرة- [10] للقبول بخوض جولة من التفاوض لرفع الضغوطات الداخلية التي تعاني منها في مناطق سيطرتها، وأيضا لمحاولة إيجاد حل للأزمة التي أصبحت تشكل لديها معضلة كبرى بعد توجه حكومة الشرعية المعترف بها دوليا لاستخدام الأدوات الاقتصادية في مواجهتهم مطلع شهر إبريل من العام 2024[11] ابتداء من القرار رقم (17) لسنة 2024 بشأن نقل المراكز الرئيسية للبنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر من مدينة صنعاء الى العاصمة المؤقتة عدن، وما تبعه من قرارات أخرى متتالية بعد انتهاء المهلة المحددة لشهرين في هذا القرار، فقد وجهت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في العاصمة المؤقتة عدن، شركات الهاتف النقال العاملة في صنعاء، لنقل مقراتها فنياً وإدارياً ومالياً إلى العاصمة المؤقتة عدن، وتصحيح وضع الشركات بشكل عاجل [12]، وكما وجه وزير النقل شركة الخطوط الجوية اليمنية بتحويل كافة إيرادات الشركة إلى حساباتها البنكية في العاصمة المؤقتة عدن أو في الخارج [13]، خاصة بعد سطو جماعة الحوثي على أرصدتها في بنوك صنعاء والتي تتجاوز 100 مليون دولار؛ ولتتمكن الشركة من توفير الميزانية التشغيلية للشركة وتطوير وتحديث أسطولها، ودعت وزارة النقل في الحكومة الشرعية (المعترف بها دوليا)، جميع وكالات السفر المعتمدة في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي للانتقال إلى المحافظات التابعة للحكومة الشرعية لمزاولة نشاطها. فقد هاجت جماعة الحوثي بعد كل هذه الضغوطات وهو ما يلاحظ فيما قام به من تصرفات ابتدائها بحملة اعتقالات واسعة من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني ومن موظفين سابقين لدى السفارة الأمريكية في اليمن [14] وإتهامهم وإصدار إحكام ضدهم، واحتجاز 3 طائرات للخطوط الجوية اليمنية في مطار صنعاء مع طواقمها الملاحية والفنية، ومنع عودتها لاستكمال نقل الحجاج اليمنيين العالقين في الأراضي المقدسة [15]، وما كانت تشهده مناطق سيطرتها من عملية عسكرية من قبل تحالف حماية الازدهار متعدد الجنسيات الذي تشكل في ديسمبر 2023م بمبادرة أمريكية [16]؛ لحماية طرق الملاحة الدولية، وطمأنة شركات الشحن العالمية والبحارة بعد قيام جماعة الحوثي بتنفيذ هجمات ضد بعض السفن التي بحسب قولهم أنها تابعة للعدو الإسرائيلي وحلفائه المارة بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب بالتزامن مع استمرار معركة طوفان الأقصى التي أكدت جماعة الحوثي وقوف عملياتها في البحر الأحمر إذْ كان التصعيد مرتبطا بحالة الحرب في غزة. فرأ الحوثيون أنَّ في جولة مفاوضات مسقط فرصة سانحة للوصول لاتفاق يخرجهم من كل هذه المآزق التي يعانون منها داخليا وخارجيا على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري بعد فشل اللوبي الحوثي الذي سعت الجماعة بشكل حثيث في زرعه بكل مكان وخاصة في أروقة الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي والسفارات الأجنبية والمنظمات والصناديق الدولية حسب بعض التقارير[17] خلال فترات الحرب في تحقيق نجاحات بإظهار الجماعة على أنها جماعة تحمل مظلومية أقلية مضطهدة من قبل أنظمة الحكم السابقة في اليمن.
النتائج:
سعت كل الأطراف لامتلاك أوراق ضغط قبل العودة لمسار التفاوض؛ لتحقيق نتائج مرضية لصالحها، وقد كان هذا السعي محموما خلال الفترة الماضية بشكل واضح قبل البدء بجولة مسقط في نهاية شهر يونيو [18] تحت رعاية مكتب المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ واللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي كان الأمل فيها كبيرا للوصول لاتفاق بين المشاركين فيما يخص ملف الأسرى والمختطفين والمخفيين قسراً حسب ما أعلن، لكن ما كان في الخفاء حسب ما ذكرنا سابقا في هذه الورقة أن المفاوضات كان المرجو منها التهيئة للخروج بآلية أو بتفاهمات للتوقيع على اتفاق يفضي للسلام والبدء بعملية سياسية حسب خارطة الطريق التي أعلن عنها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة نهاية العام المنصرم 2023م. بدأت الأطراف بمناقشات حسب الأجندة المعلنة لهذه الجولة لكن الرعاة وجدوا بعض العراقيل التي حالت دون الوصول لنتائج حقيقية عكس ما كانت تخرج من تصريحات بتحقيق اختراق في بعض الملفات، وتارة أخرى بالوصول لتفاهمات حول قوائم الأسرى والمخفيين قسرا، لكن سرعان ما تكشفت الحقائق بنهاية هذه الجولة دون أي نتائج حقيقية ملموسة كان من المفترض أن تعرض في ختامها باستثناء النجاح في إقناع جماعة الحوثي لإطلاق سراح طائرات الخطوط الجوية اليمنية التي كان قد احتجزها في مطار صنعاء في وقت سابق. الصادم في الأمر هو ما حصل بعد انتهاء جولة المفاوضات بتاريخ 7 يوليو، حيث بعث مكتب المبعوث الخاص بخطاب رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بتجميد قرارات البنك المركزي في عدن إلى نهاية أغسطس والقاضية بسحب تراخيص ستة بنوك تجارية؛ لعدم استجابتها لنقل مقراتها إلى العاصمة المؤقتة عدن مسببا ذلك بأن هذه القرارات سيكون لها تداعيات على الاقتصاد اليمني وستفسد على اليمنيين البسطاء معيشتهم، وقد تؤدي إلى خطر التصعيد العسكري، ودعا إلى جولة جديدة بعد شهرين ناسيا مخاطر تراجع البنك المركزي بعدن عن قراراته، منذ إفصاح “رئيس مجلس القيادة” عن تلقيه رسالة “مكتب المبعوث الأممي” والشارع اليمني مشتعل، وسرعان ما تحول الغضب إلى هاشتاغات ومظاهرات شعبية وفعاليات في عدد من المحافظات نتج عنه توجيه بيان شديد للأحزاب السياسية [19]، وهو ما اعتبره مراقبون خطابا بلهجة تهديدية حوثية للحكومة بلسان مكتب المبعوث الأممي، كما طالبت الأحزاب اليمنية الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” بتقييم “تصرفات” المبعوث الأممي “هانس غروندبرغ” عقب ممارسة ضغوط على الحكومة الشرعية للتراجع عن قرارات البنك المركزي الأخيرة، وتبايناته الواضحة في التعاطي مع الملف اليمني، والتحيز الذي يظهر لصالح جماعة الحوثي ضد الشرعية؛ كصمته عن الانتهاكات التي مارستها جماعة الحوثي بحق القطاع المصرفي، والتي وصلت إلى حد اعتقال القيادات الإدارية لبعض البنوك الخاصة، وتنصيب إدارات موالية لهما، ومنع تداول الطبعة الجديدة من العملة الوطنية، وإيجاد حالة من الانقسام الاقتصادي في تذكر لما قام به المبعوث الأممي السابق مارتن جريفث؛ لإنقاذ جماعة الحوثي من خسارة مدينة الحديدة حينما كانت قوات الجيش الوطني قريبة من السيطرة عليها وتحريرها في 13 ديسمبر من العام 2018م [20]، فها هو يعود هانس جروندبرغ لإنقاذ هذه المليشيا من الانهيار أمام قرارات البنك المركزي بعدن. لذلك فيما يبدوا أن مجلس الثمانية الرئاسي استجاب لطلب مكتب المبعوث الأممي ورضخ للضغوطات الأممية والإقليمية التي لا تريد عودة الصدامات العسكرية بين الأطراف؛ دون أي اعتبار لما يعانيه الشعب اليمن، والمركز القانوي للدولة الذي أصبح اليوم في محل شك لدى الشارع، بينما لم يرَ المتابعون أي تراجع من قبل جماعة الحوثي، أو ممارسة ضغوطات ضدها من قبل مكتب المبعوث الأممي، أو الرباعية الدولية مثل تلك التي تعرضت لها الشرعية، بل تصاعد الخطاب الإعلامي للجماعة ضد قائدة التحالف العربي المملكة العربية السعودية حيمنا خرج زعيم الجماعة في خطاب مسجل بثته وسائل إعلام تابعه للجماعة بعد بتاريخ 7 يوليو 2024م مهددا المملكة بعودة التصعيد العسكري حال عدم تراجع البنك المركزي اليمني عن قراراته؛ كونها الداعم للشرعية وراعية لها، حيث أشار أن التعامل سيكون بالمثل بضرب البنوك والمطارات والموانئ داخل الأراضي السعودية متهما إيَّاها بتنفيذ أجندة أمريكية، مما زاد الضغط تجاه الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا؛ لتجميد قراراً بالإجماع يحمل رقم (31) يقضي بإيقاف تراخيص عدد من شركات ومنشآت الصرافة صدر بتاريخ 10 يوليو 2024م [21] في اجتماع طارئ لأعضاء المجلس بتاريخ 12 يوليو مبدئا موافقتــه علــى الانخراط فــي المفاوضــات، مشترطــا “وجود جدول أعمــال واضح لأي حوار حول المـلف الاقتصـادي، بمـا فـي ذلك استئنـاف تصدير النفط، وتوحيد العملـة الوطنيـة، وإلغـاء الاجراءات التعسـُفية بحـق القطـاع المصرفـي”، مما جعل محافظ البنك المركزي اليمني يتقدم بطلب استقالة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي وبقية أعضاء المجلس بشكل عاجل وسري حسب الخطاب المسرب بتاريخ 17 يوليو في ردة فعل عن ما يقوم به المجلس من تقديم تنازلات لمليشيا الحوثي واستجابة للضغوطات الخارجية. وفي سياق خطة جماعة الحوثي للتهرب من الضغوطات الشعبية الداخلية المتزايدة ضد الجماعة في مناطق سيطرتها ذهبت الجماعة لزيادة التصعيد العسكري بتبنيها ضرب تل أبيب في الكيان الصهيوني بطائرة مسيرة في 18 من يوليو مما دعاء الكيان الصهيوني بالرد بالمثل بشن قصف واسع لأهداف ومنشآت مدنية في ميناء الحديدة ومحطة توليد الطاقة الكهربائية القريبة من الميناء بعد يومين بتاريخ 20يوليو، وهو ما أعدَّته القوى اليمنية انتهاكا لسيادة الدولة، ونددت بذلك أغلب الأحزاب اليمنية حتى المعادية لجماعة الحوثي؛ لما لها من أضرار كبيرة على حياة المواطنين، ومن تزايد للظروف المعيشية في تلك المناطق فوق ما تعانيه مسبقا. ولازالت جماعة الحوثي مصرة على إقحام البلاد في أزمات داخلية وخارجية بارتكابها حماقات ومغامرات عسكرية في حال لم يتم التعامل مع الملف اليمني بشكل جدي من قبل الأطراف اليمنية والرعاة الأمميين والإقليمين، مما عجل بالحراك السياسي في أروقة الرباعية الدولية حتى جاء بيان صادر عن مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن في 23 يوليو [22] لتوصل الأطراف اليمنية لاتفاق على عدة تدابير لخفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية اليمنية وفق نص مكتوب تسلمه المبعوث الأممي من الطرفين من 4 بنود. ويبقى التساؤل المطروح حول وجود ضمانات على مختلف الجوانب (السياسية والاقتصادية والعسكرية) قدمها الرعاة للأطراف اليمنية المتنازعة لتحقيق بنود هذا الاتفاق وتماسكه حتى لا يكون مصيره كسابقته.
السيناريوهات:
- نزع فتيل الاشتعال وتخفيف الضغط:
حيث سيستمر كل طرف في وضع اشتراطات وطلب ضمانات مسبقة للاستمرار في المشاركة في جولات التفاوض القادمة مما يراه الطرف الآخر اشتراطات تعجيزية مما سيبقي الوضع كما هو، خاصة مع وجود معركة انتخابية قادمة في أمريكا واستمرار حرب إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وهي عوامل مؤثرة على الملف اليمني، وهو ما تبرع فيه جماعة الحوثي أكثر من الحكومة الشرعية؛ بسبب عدم وجود ضغوطات إقليمية ودولية حقيقة عليها للالتزام بعملية التفاوض كونها قد تملصت مسبقا من الكثير من الجولات، وحتى تنفيذ بنود تم الاتفاق عليه في جولات سابقة، والاستطاعة في إنهاء الضغوطات الداخلية التي يمارسها المواطنون في مناطق سيطرتهم بتشديد القبضة الأمنية عليهم، والتلويح باعتقالهم وإصدار أحكام ضدهم.
- استمرار الانخراط في مسار المفاوضات:
محاولة الأطراف المتنازعة إيجاد حلول للخروج من الضغوطات الداخلية وتردي الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرتها، وتخفيف حدة الاشتباك الاقتصادي المتزايد بينها، ورضوخهم لضغوطات مكتب المبعوث الأممي ودول الإقليم التي باتت تدرك أضرار استمرار عدم الوصول لوضع مستقر في اليمن على أمنها القومي، فهي ترى أنَّ مسار التفاوض من الممكن أن يكون المخرج الآمن لها دون أضرار أخرى، مع الحفاظ على مكاسبها السابقة وخاصة جماعة الحوثي التي تسعى لتحقيق اعتراف بشرعيتها حكومة أمر واقع للمناطق التي تسيطر عليها، وكذلك الحكومة الشرعية باستعادة تصدير النفط المستخرج من مناطقها الذي توقف منذ ضرب الحوثيين لموانئ التصدير كما ذكرنا سابقا.
- انهيار مسار التفاوض، وعودة التصعيد العسكري:
وهذا هو السيناريو الأكثر كلفة لكل الأطراف وداعميها خاصة أنهم خلال الفترة الماضية يحاولون عدم العودة للتصعيد العسكري بعنف كما في السابق بعد أن فشل في تحقيق مبتغاه على مدار 10 سنوات من المعارك والخسائر المادية التي استنزفتهم، فالحكومة الشرعية وجدت أنَّ التصعيد الاقتصادي ضد جماعة الحوثي كان له نتائج إيجابية، وهو ما تفضله لكنها أيضا تحشد وحداتها العسكرية؛ لتكون جاهزة لأي تطور ينتج عن انهيار مسار التفاوض، كما شهدت جبهات الحوثي أيضا محاولات حشد كثيفة في الأشهر الماضية تحسبا لنفس السيناريو مع تفضيل الجميع على استخدام التحشيد كورقة ضغط دون العودة للعمليات العسكرية.
لتحميل الورقة التحليلية إظغط هنا .
[1] مستجدات بشأن الجهود المبذولة للتوصل لخارطة طريق ترعاها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن | OSESGY (unmissions.org)
[2] مبادرة من الأمم المتحدة لإبرام هدنة مدتها شهران | OSESGY (unmissions.org)
[3] صدور اعلان رئاسي بنقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي (sabanew.net)
[4] هادي يصل عدن بعد إفلاته من حصار الحوثيين بصنعاء | أخبار | الجزيرة نت (aljazeera.net)
[5] هادي يغادر صنعاء ويصل عدن.. والحوثيون ينهبون قصره (alarabiya.net)
[6] الحوثيون يعلنون عن “ضربة تحذيرية” لسفينة نفطية في ميناء الضبة.. والإرياني: هجوم إرهابي – CNN Arabic
[7] محافظ البنك المركزي اليمني يعلن عن إصدار عملة معدنية من فئة 100 ريال – سبأنت – وكالة سبأ (saba.ye)
[8] https://x.com/MohAlydomi/status/1808957332811866323
[9] الرياض: خارطة حل الازمة اليمنية جاهزة للتوقيع عليها (magalnet.com)
[10] الحرب في اليمن: لماذا تريد واشنطن تصنيف الحوثيين جماعة “إرهابية”؟ – BBC News عربي
[11] البنك المركزي يمهل البنوك في صنعاء 60 يوماً لنقل مقراتهم الرئيسية الى عدن (sabanew.net)
[12] وزارة الاتصالات توجه شركات الهاتف النقال نقل مقراتها من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن (sabanew.net)
[13] وزير النقل يوجه شركة طيران اليمنية بنقل إيراداتها بصورة عاجلة إلى حساباتها في عدن والخارج (sabanew.net)
[14] سلطات الحوثي تعتقل 12 من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني |منظمة سام (samrl.org)
[15] مجلس القيادة الرئاسي يعقد اجتماعا استثنائيا لمناقشة المستجدات الوطنية (sabanew.net)
[16] تحالف “حارس الازدهار”.. قوة بحرية دولية لمواجهة الحوثيين | الموسوعة | الجزيرة نت (aljazeera.net)
[17] الجزء الثاني – التنظيم السري الحوثي في المنظمات والصناديق الدولية – FraudWiki
[18] مسقط: وفد الحكومة اليمنية المفاوض يصل العاصمة العمانية – يمن فيوتشر (yemenfuture.net)
[19] هاشتاغات ومظاهرات وبيانات شديدة اللهجة.. الشارع اليمني غاضب من “هانس” – يمن ديلي نيوز Yemen Daily News (ydn.news)
[20] النص الكامل لاتفاق استوكهولم | OSESGY (unmissions.org)
[21] عدن.. البنك المركزي اليمني يوقف تراخيص خمس شركات صرافة لمخالفات مالية – المصدر أونلاين (almasdaronline.com)
[22] بيان صادر عن مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن | OSESGY (unmissions.org)