مقدمة:
تُعدّ تجربة المجالس الرئاسيَّة في اليمن ظاهرة سياسيَّة متكرِّرة تعكس طبيعة المراحل الانتقاليَّة التي مرَّت بها الدولة عقب التحوّلات السياسيَّة الكبرى، أو انهيار الأنظمة. فمنذ ستِّينيَّات القرن العشرين، برز نمط، أو شكل الحكم الجماعي، كآلية لإدارة التوازنات بين القوى القبليَّة، والعسكريَّة، والسياسيَّة المختلفة.
ففي شمال اليمن، أُعْلِن مجلس قيادة الثورة في أعقاب ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، كإطار جماعي لقيادة الدولة بعد اسقاط النظام الإمامي. ثمَّ قام المجلس الجمهوري برئاسة القاضي الارياني عام 1967م. وقد واجه المجلس الجمهوري تحدِّيات كبيرة تمثَّلت في الانقسام داخل المؤسَّسة العسكريَّة، والتباين بين القوى الجمهوريَّة المحافظة، والراديكاليَّة أدَّت هذه التناقضات إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي، ما اضطرَّ النُّخَب إلى إعادة توزيع مراكز النفوذ بين المؤسَّسة العسكريَّة، والمشيخات القبليَّة؛ لتتحوّل التجربة تدريجيًّا نحو حكم الفرد العسكري ممثلًا في الرئيس.
وفي جنوب اليمن، بدأت تجربة المجالس بعد تنحية الرئيس قحطان الشعبي 1969م من خلال “مجلس الرئاسة لجمهوريَّة اليمن الديمقراطيَّة الشعبيَّة”؛ لتوسيع مشاركة كوادر قيادة الجبهة القوميَّة في المنصب الأوَّل بالدولة. إلاَّ أنَّ هذه الصيغة لم تستطع تجاوز الانقسامات الأيديولوجيَّة داخل التنظيم السياسي الموحَّد الجبهة القوميَّة عام 1975م؛ فشهدت البلاد صراعات مسلَّحة في عام 1978م، وبلغت ذروتها في أحداث 1986م التي أودت بحياة الآلاف من القيادات. وقد بيَّنت هذه التجربة أنَّ الحكم الجماعي في بيئة سياسيَّة متنازعة يحتاج إلى مؤسَّسات توازن المصالح، وتدير الخلافات بآليَّات مؤسَّسيَّة، وهو ما لم يتحقَّق فعليًّا.
بعد الوحدة عام 1990م، نصَّ دستور الجمهوريَّة اليمنيَّة على تشكيل مجلس رئاسة يتكوَّن من خمسة أعضاء، يمثِّلون حكومتي الشمال والجنوب في محاولة؛ لتثبيت صيغة تشاركيَّة. ورغم نجاح المجلس مؤقَّتًا في إدارة التوازنات، إلاَّ أنَّ تصاعد الخلافات السياسيَّة، والإداريَّة، والعسكريَّة بين طرفي الوحدة أدَّى إلى انهيار هذه الصيغة خلال حرب 1994م، لتعود البلاد إلى النظام الرئاسي الفردي.
أما مجلس القيادة الرئاسي الحالي فقد جاء في سياق حرب داخليَّة معقَّدة، وتعدُّد في مراكز القوى السياسيَّة، والعسكريَّة، والإقليميَّة. وعلى الرغم من أنَّه أعاد فكرة القيادة الجماعيَّة، إلاَّ أنَّه تشكَّل في ظلِّ انقسامات أعمق من تلك التي شهدها اليمن في تجاربه السابقة، مع تدخُّلات مباشرة من الفاعلين الإقليميين (السعوديَّة، والإمارات)، ما جعل منه أداة لإدارة توازُّنات القوى أكثر من كونه مؤسَّسة للحكم الرشيد.
1. مفهوم الصراع:
يُعرَّف الصراع بأنَّه حالة من التفاعل السلبي بين أطراف تمتلك أهدافًا متناقضة، أو موارد محدودة، أو تصوُّرات متباينة حول السلطة، والشرعيَّة. في السياق اليمني، يتخذ الصراع داخل مجلس القيادة الرئاسي أبعادًا مركَّبة؛ إذ لا يقتصر على الخلاف السياسي، بل يمتدُّ إلى تناقضات في الولاءات العسكريَّة، والانتماءات المناطقيَّة، ممَّا حوَّل المجلس إلى ساحة تنافسيِّة لإدارة النفوذ أكثر من كونه مؤسَّسة حاكمة. وتؤكِّد تقارير الأمم المتَّحدة أنَّ غياب التنسيق بين مكوِّنات المجلس تَسَبَّبَ في تعطُّل القرارات الأمنيَّة، والعسكريَّة، وهو ما انعكس سلبًا على استقرار المحافظات المحرَّرة.
2. الشراكة السياسيَّة:
تُعدُّ الشراكة السياسيَّة أداة لتقاسم النفوذ بين فواعل متعدِّدة بهدف ضمان الاستقرار، وتقليل احتمالات العنف السياسي. ومع ذلك، فإنَّ نجاح الشراكة يعتمد على وضوح قواعد تقاسم السلطة، وآليات حلِّ النزاعات. وفي اليمن، تغيب هذه القواعد بفعل ضعف المؤسَّسات، وغياب الثقة المتبادلة؛ إذْ تمارس المكوِّنات السياسيَّة، والعسكريَّة سلطاتها بشكل موازٍ للدولة.
3. تقاسم السلط:
تطرح نظريَّة تقاسم السلطة إطارًا لإدارة المجتمعات التي فيها خلافات سياسيَّة من خلال توزيع المناصب بما يمنع الإقصاء، ويعزِّز الشرعيَّة إلاَّ أنَّ هذه النظريَّة قد تتحوَّل أحيانًا إلى آليَّة لإدامة الانقسام إذا لم تُدعَم ببناء مؤسَّسي فعَّال ينطبق ذلك بوضوح على الحالة اليمنيَّة؛ إذْ أدَّت ترتيبات تقاسم السلطة داخل مجلس القيادة إلى تكريس المحاصصة السياسيَّة، والعسكريَّة دون تطوير مؤسَّسات حاكمة قادرة على إدارة التنوُّع. فعلى سبيل المثال، لا توجد آليَّة دستوريَّة واضحة تحدِّد العلاقة بين رئيس المجلس وأعضائه، ممَّا جعل عمليَّة صنع القرار عرضة للتجاذبات.
تشكيل مجلس القيادة الرئاسي (مقارنة بين الأهداف المعلنة، والممارسات الفعليَّة):
في إعلان نقل السلطة من الرئيس عبد ربُّه منصور هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022م عُرِضَتْ أهداف محدَّدة وواضحة: توحيد الصف السياسي والعسكري، وإدارة مرحلة انتقاليَّة نحو تسوية، واستعادة مؤسَّسات الدولة والقرار المركزي. غير أنَّ مراجعة التطوُّرات خلال الأعوام السابقة تكشف عن فجوة ملموسة بين هذه الأهداف، والممارسات الواقعيَّة للمجلس ناجمة عن ديناميكيَّات داخليَّة، وإقليمية، وضعف مؤسَّسي، وتحدِّيات عسكريَّة، واقتصاديَّة وإنسانيَّة. وفي الأقسام التالية نفكِّك هذه الفجوة وفق عدد من المحاور الأساسيَّة: الشرعيَّة والتمثيل، والوحدة العسكريَّة وقيادة العمليات، والمسار السياسي ومفاوضات السلام، وإدارة الموارد والأوضاع الاقتصاديَّة، والقوة المؤسَّسيَّة والقدرة على الحسم.

1. الشرعيَّة والتمثيل:
كان الهدف الرئيس المعلن هو توسيع قاعدة المشاركة، وتعزيز شرعية الحكم عبر تضمين قوى نافذة في بنية قادتها، لكن الممارسة الفعليَّة عكست عدَّة أمور:
• بينما حظيت عمليَّة نقل سلطة الرئيس هادي لمجلس القيادة الرئاسي برعاية إقليميَّة، وغطاء دولي؛ فقد رحّبت الأمم المتَّحدة، ومجموعة دوليَّة بانتقال السلطة، لكن على الأرض استمرَّت انتقادات تشير إلى أنَّ المجلس نُصِّب بآليَّة “فوقيَّة”، وبضغط إقليمي دون توافق داخلي واسع، ودون لوائح واضحة ومعلنة لآليَّات عمل المجلس، وصلاحيَّات أعضائه، ومهامهم؛ ما حدّ من شرعيَّته الشعبيَّة التي لازال المجلس يبحث عن آليَّة لحسم هذا الجدل.
• المنافسة المكثَّفة بين مكوِّنات المجلس، لا سيما بين الممثِّلين للقوائم التي تحاول تكريس نفوذ مراكز القوى التقليديَّة التي أنتجت مناخًا من التنافس المؤسَّسي بدلًا من بناء إجماع وطني؛ كما جاء في تقرير لجنة خبراء الأمم المتَّحدة الذي أشار إلى أنَّ تفتُّت التماسك الداخلي للمجلس يشكِّل خطرًا على استمراره في حال استمرار النزاعات بين المكوِّنات.
في حين نجح الانتقال الصوري في إعطاء المجلس غطاء دوليًّا ومرحليًّا، إلاَّ أنَّه فشل في خلق شرعيَّة داخليَّة واسعة، أو قاعدة شعبيَّة تُترجَم إلى قدرة حكم فعليَّة؛ فالتمثيل هنا كان شكليًّا إلى حدٍّ كبيرٍ، وجاءت صيغته عبر مقايضات إقليميَّة، ومحليَّة أكثر من توافق اجتماعي سياسي واسع.
2. توحيد الجهود العسكريَّة وقيادة العمليات:
إنَّ توحيد الصف العسكري تحت قيادة موحَّدة قادرة على مواجهة الحوثيِّين، واستعادة مؤسَّسات الدولة كان من أبرز الأهداف المعلنة، إلاَّ أنَّ الممارسة الفعليَّة لم تحقِّق ذلك الهدف.
• تجمَّعت قوى عسكريَّة متعدِّدة تحت مظلَّة المجلس وفق اتفاقيَّات، وكذا تأسَّست تشكيلات جديدة بدعم خارجي. كلّ هذه القوى ظلَّت تحت ولاءات محليَّة، وإقليميَّة متباينة، وظهرت تحدِّيات في توحيد السلاح، وسلسلة القيادة الفعليَّة.
• سجّلت الأعوام السابقة استمرارًا في حوادث الاشتباك المحليَّة بين فصائل متحالفة ظاهريًّا، أو دعوات متكرِّرة للسيطرة بالقوَّة العسكريَّة لبعض القوى العسكريَّة على مناطق تُعدُّ محرَّرة من جماعة الحوثي في مشهد يعكس حالة عدم التوافق والتفاهم بين التشكيلات العسكريَّة المنضوية تحت مجلس القيادة، وتصاعدًا في حالات العنف المسجّلة وفق قواعد بيانات النزاع، وتقارير الأمم المتَّحدة؛ ممَّا عكس غياب توحيد حقيقي للقرار العسكري على الأرض.
نجح المجلس بشكل محدود في التنسيق السياسي، والعسكري على المستوى الرسمي، لكنَّه فشل في إرساء قيادة عسكريَّة واحدة فعّالة تحكم الوحدات الميدانيَّة، وتمنع التجاذبات المحليَّة، أو التدخُّلات الإقليميَّة.
3. المسار السياسي ومفاوضات السلام:
الهدف المعلن إدارة مرحلة انتقاليَّة تمهّد لتسوية شاملة للحرب، لكن الممارسة الفعليَّة كشفت غياب الهدف والرؤية الموحَّدة.
• الإعلان عن المجلس تزامن مع هدنة مؤقتَّة في أبريل 2022م وفتح نافذة سياسيَّة، لكن المفاوضات الحقيقيَّة مع الحوثيِّين ما تزال متعثِّرة. كان ثمَّة توقُّع أن يعمل المجلس كجهة تفاوضيَّة واحدة؛ إلاَّ أنَّ الخلافات الداخليَّة، وسياسات الضغط الإقليميَّة حالت دون بلورة خطوط تفاوضيَّة واضحة وموحَّدة. من ناحية أخرى، فشل المجلس في تقديم خارطة طريق سياسيَّة مُعتمدة من كافَّة المكوِّنات، ما أعطى انطباعًا أنَّ المجلس تشغله إدارة التوازنات المحليَّة أكثر من العمل على مبادرات السلام.
• تقارير أمميَّة متابعة لعمليَّة السلام أكَّدت أنَّ جهود الوساطة الدوليَّة لم تستفد من وجود طرف حكومي موحَّد، وقوي في المفاوضات؛ إذْ ظلَّ موقف الحكومة المتفاوضة ممزَّقًا.
على مستوى مسار السلام، مثَّل المجلس فرصة مفقودة لبلورة موقف تفاوضي موحَّد؛ إلاَّ أنَّ الإطار المؤسَّسي للمجلس لم يترجَّم إلى قدرة تفاوضيَّة على مستوى إستراتيجي.
4. إدارة الموارد والوضع الاقتصادي:
استعادة مؤسَّسات الدولة، وإدارة ملفَّات الاقتصاد، والإنقاذ المالي كان أبرز هدف للمجلس في ظلَّ استمرار انهيار الخدمات، والأزمة الإنسانيَّة؛ لكنَّ إدارة الأزمة الإنسانيَّة، والاقتصاديَّة خالفت التوقُّعات.
• فعلى مستوى الأداء الاقتصادي، بقيت أجهزة الدولة المركزيَّة (الجمارك، والبنك المركزي، والضرائب) مفكَّكة، أو موزّعة بين سلطات، ومصالح محليَّة، ما أعاق قدرة المجلس على إدارة السياسات الماليَّة، والاقتصاديَّة بصورة فعّالة.
• التبرُّعات الدوليَّة لم توجَّه بشكل صحيح للتدخُّل في الجانب الاقتصادي؛ لتخفيف معاناة المواطن، هذا الضعف المالي حدّ من قدرة المجلس على تقديم خدمات، أو مداخل إنجاز تعزّز شرعيَّته. كما انعكست الخلافات السياسيَّة على توزيع الموارد؛ إذْ استُخدمت الموارد كأداة تفاوض داخليَّة بين شبكات النفوذ المختلفة بدل توزيعها وفق أولويَّات إعادة الإعمار، والشبكات الخدماتيَّة، والنتيجة العمليَّة كانت استمرار الأزمة الإنسانيَّة، والاقتصاديَّة.
فشل المجلس في تحقيق اختراق اقتصاديٍّ، أو إنسانيٍّ ملموس منذ تأسيسه، سواء لضعف الأدوات المؤسَّسيَّة، أو التنافس الداخلي على الموارد، أو لغياب دعم دوليٍّ كافٍ.
5. مؤسَّسات الدولة، والقدرة على اتخاذ القرار:
إنَّ إعادة تفعيل مؤسَّسات الدولة كان من الأهداف المعلنة لتأسيس المجلس؛ وذلك للخروج بالدولة من حالة الحرب إلى حالة المؤسَّسات. غير أنَّ الوضع ازداد سوءًا بالشراكة غير الحقيقيَّة للمجلس التي تُكرِّس تقاسم مؤسَّسات الدولة وفق المحاصصة.
• فقد أدَّى غياب آليَّات حسم داخليَّة، ولوائح تنظيميَّة واضحة لعمل المجلس إلى حالة من الشلل المؤسَّسي أحيانًا؛ إذْ وَجَدت الكثير من القرارات التنفيذيَّة نفسها رهينة توافقات داخليَّة، أو شراكات إقليميَّة.
• ظهرت دعوات لإنشاء هيئات استشاريَّة، أو لجان تنفيذيَّة ترافق المجلس، لكنَّ غالبها ظلَّ شكليًّا، أو يعمل خطابات رسميَّة بقدرات محدودة من رئيس المجلس أكَّدت أهميَّة التوافق، والعمل المؤسَّسي، لكنَّ التطبيق بقي متعثِّرًا.
• استمرار تعدُّد سلطات الأمر الواقع، وتقاسم النفوذ أدّى إلى ضعف في المحاسبة والحوكمة.
المجلس واجه قيودًا بنيويَّة على صعيد الحوكمة، وبناء مؤسَّسات فعَّالة في ظلَّ غياب جدول أعمال مؤسَّسي واضح، وآليَّات محاسبة جعل من الصعب ترجمة الأهداف المعلنة إلى عمليَّات حوكمة مستدامة.
لماذا حدثت الفجوة؟
إنَّ تحليل الأسباب التي أدَّت إلى الفجوة بين الأهداف، والممارسات يبيّن تراكمًا لعوامل متعدِّدة ومتشابكة:
1. صيغة تشكيل المجلس وشرعيتها، التشكيل تمّ في سياق تنافسي حادٍّ، وبضغط إقليمي؛ ما أدّى إلى شرعيَّة شكليَّة للمجلس.
2. تضارب الأجندات الإقليميَّة، وتباين الولاءات المحليَّة نتج عنه صعوبات في بلورة قرار مركزي واحد.
3. غياب مؤسَّسات ضامنة، بدون مؤسَّسات رقابيَّة وتنفيذيَّة مستقرِّة، حوّلت الاتفاقات السياسيَّة إلى “صفقات” قصيرة الأمد بدلًا من تحوّلات هيكليَّة.
4. الواقع الميداني المستمر للصراع، تصاعد قدرات جماعة الحوثي وتوسع هجماتهم البحريَّة، والبريَّة ضاعف أعباء المجلس، وجعل إدارة الحرب أولويَّة عمليَّة على بناء الدولة.
5. الضعف الاقتصادي والدعم الدولي المحدود، والعجز في التمويل الدولي، وعدم التزام بعض الجهات المانحة بالدعم المطلوب أضعف قدرة المجلس على تحقيق مخرجات اقتصاديَّة ملموسة.
مقارنة الأهداف المعلنة لمجلس القيادة الرئاسي (توثيق الشرعيَّة، وتوحيد الجهد العسكري، وإدارة مرحلة انتقاليَّة، واستعادة الدولة) مع ممارساته تكشف عن فجوة هيكليَّة بين الطموح والقدرة. هذه الفجوة تفسِّرها بنيويَّة التكوين، وتضارب الولاءات، وضعف الآليَّات المؤسَّسيَّة، والضغوط الميدانيَّة والإنسانيَّة. بناءً على هذا يصبح ضروريًّا فحص بنية المجلس، ومكوِّناته بدقة؛ لفهم كيف تُترجم التوازنات الداخليَّة إلى آليَّات صنع قرار، أو أنَّها تُحوِّل المجلس إلى إطار للصراع بين الشركاء.
بنية مجلس القيادة الرئاسي ومكوِّناته:
ولادة المجلس جاءت ضمن تفاهم إقليمي (سعودي – إماراتي)، ومن ثمَّ كان تكوينه أكثر انعكاسًا لمصالح الضامنين منه نتاج توافق داخلي عميق، نناقش البنية عبر ثلاث نقاط تحليليَّة مترابطة:
(أ) النص القانوني وتوزيع الصلاحيَّات.
(ب) الملفات الفردية للأعضاء وشبكاتهم السياسيَّة – الميدانيَّة.
(ج) ديناميكيَّات الولاءات الإقليميَّة، والآثار العمليَّة على صنع القرار.
 النصّ القانوني وتوزيع الصلاحيَّات (الإطار الرسمي مقابل الممارسة):
نصَّ التفويض بمنح المجلس الذي تشكَّل في أبريل 2022م بقرار جمهوري نقل بموجبه الرئيس عبدربُّه منصور هادي صلاحيَّاته للمجلس، مع تفويضٍ فعليٍّ مركَّزٍ لمنصب رئيس المجلس لصلاحيَّات تنفيذيَّة واسعة (تعيين المحافظين، وقيادة الشؤون العسكريَّة العليا، وتوقيع القرارات السياديَّة)، أي أنَّ الصيغة كانت «جماعيَّة ـ شكليَّة» مع تركيزٍ عمليٍّ لصلاحيَّات تنفيذيَّة بارزة في يد رئيس المجلس. هذا التوازن القانوني الفعلي ولَّد إشكالات مؤسَّسيَّة ، كان من أبرزها، من أين يأتي حيِّز النفاذ لقرارات الرئيس عندما يواجه اعتراضات مكوِّنات تملك قوَّات مسلَّحة داخل المجلس؟
فالنتيجة العمليَّة كانت في الصلاحيَّات الشكليَّة التي اصطدمت بواقع تعدّد مراكز القرار الميداني؛ فالتفويض لم يترجم إلى قدرة تنفيذيَّة موحَّدة على الأرض.
 أعضاء المجلس:
القائمة التالية موجزة، كلّ بند يتضَّمن الخلفيَّة، شبكة الارتباطات، ومجال التأثير الجغرافي:
1. رشاد محمد العليمي (رئيس المجلس): شخصيَّة أمنيَّة – إداريَّة مقرَّبة من دوائر الشرعيَّة السابقة، تمّ اختيارها كواجهة توافقيَّة مرتبطة بقنوات دبلوماسيَّة سعوديَّة، وإقليميَّة، وغربيَّة؛ فمساعي العليمي للربط المؤسَّسي ظهرت في بيانات رسميَّة، وخطاباته أمام جهات دوليَّة.
2. عيدروس قاسم الزبيدي (رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي): قاعدة نفوذه جنوبيَّة، وولاؤه جنوبي، ويتلقَّى دعمًا إماراتيًّا؛ فخطاب الزبيدي، وبرامجه السياسيَّة، والميدانيَّة شكَّلت عامل ضغط في ملفَّات، مثل: إدارة عدن (العاصمة المؤقَّتة)، والمحافظات الجنوبيَّة .
3. طارق صالح (قائد المقاومة الوطنيَّة): امتداد لمجموعات الحرس الجمهوري السابق، وهو قوَّة عسكريَّة فاعلة في الساحل الغربي، تأسَّست على قواعد لوجستيَّة، وميدانيَّة دعمها شركاء إقليميُّون؛ فممارساته العسكريَّة، وتصريحاته الإعلاميَّة سجّلت مدى استقلاليَّة القرار الميداني لديه.
4. فرج البحسني (محافظ حضرموت السابق): له نفوذ محلِّي في حضرموت بتنسيق مع شخصيَّات قبليَّة خاصَّةً في ساحل حضرموت، ومناطق استخراج النفط، ودوره يلتحم بملف الموارد، وحماية الموانئ، وإدارة المحليَّات؛ فمواقفه تعكس مطالب تمثيليَّة، ومصالح إقليميَّة.
5. عبدالرحمن المحرمي (قائد ألوية العمالقة): شخصيَّة عسكريَّة ميدانيَّة، له نفوذ وسط التيار السلفي، ويحظى بدعم إماراتي؛ فله أدوار في خلق توازن عسكري، وإداري في بعض المواقف المتوتِّرة داخل المحافظات الجنوبيَّة، وخاصَّة عدن.
6. سلطان العرادة (محافظ مأرب): قاعدة قبليَّة، وسياسيَّة قويَّة في مأرب؛ فدفاعه عن موارد المحافظة التي تُعدُّ خطَّ تماس مباشر مع الحوثيِّين جعل منه لاعبًا أساسيًّا في ملفَّات الأمن، والبيئة الاقتصاديَّة في المنطقة.
7. د. عبدالله العليمي (مدير مكتب رئيس الجمهوريَّة “هادي”): شخصيَّة إداريَّة لها أثر تفاوضي داخل المجلس.
8. وعثمان مجلِّي: شخصيَّة قبليَّة – برلمانيَّة لها ثقل قبليٌّ خاصَّةً في صعدة، يتمتَّع بقدرات ميدانيَّة، عُرف بنشاطه في مواجهة الحوثيِّين مبكرًا.

 ديناميكيَّات الولاءات الإقليميَّة والدوليَّة، والآثار العمليَّة على صنع القرار:
1. المحور السعودي يميل إلى تأييد شخصيَّات توافقيَّة، أو مناطقيَّة ذات علاقات بقبائل الشمال، والوسط مع دعم تحالفات نخبويَّة تركِّز على استقرار الحدود، وحماية خطوط النفط والغاز، وتُعَدّ السعوديَّة الراعي الأكبر للمجلس، وتهدف إلى خلق إطارٍ سياسيٍّ موحَّدٍ يمكنه التفاوض مع الحوثيِّين.
2. المحور الإماراتي يرتكز على قوى عسكريَّة – أمنية في عدن، والساحل الغربي، وحضرموت تركز على ترسيخ نفوذها عبر القوى العسكريَّة الميدانيَّة (القوات الجنوبيَّة، والمقاومة الوطنيَّة، وألوية العمالقة) في المناطق الساحليَّة الاستراتيجيَّة مع الحرص على حضورٍ خاصٍّ في حضرموت، هذا الدعم انعكس في قدرات هذه القوى على الاحتفاظ بهيكلة قيادة ميدانيَّة مستقلَّة.
3. المجتمع الدولي ينظر للمجلس بعدِّه أداة مرحليَّة، لكنَّه يشعر بالقلق من غياب التجانس الداخلي، وازدواجيَّة القرار.
اشتباك المحاور الثلاثة داخل المجلس أنتج «معادلة توازن» داخل المجلس تمنع انهيارًا كاملاً، لكنَّها تُقيِّد الفاعليَّة التنفيذيَّة (المجلس بقي قائمًا بفضل التوازن الخارجي، لكنَّه عاجز عن اتخاذ قرارات مصيريَّة موحَّدة)، وفشِل أيضًا في فرض موقفٍ تفاوضيٍّ موحَّدٍ أمام الحوثيِّين، بينما استغلت المحاور الإقليميَّة طرق تفاوضيَّة مباشرة بديلة، أو ثنائيَّة مع الحوثيِّين لتأمين مصالحها، هذا أضعف المجلس كممثِّل موحّد للشرعيَّة.
طبيعة الصراع بين الشركاء في مجلس القيادة الرئاسي:
لفهم طبيعة الصراع بين شركاء مجلس القيادة الرئاسي لا بدّ من ربط الظاهرة بأدبيَّات الصراع الممتدّ، وتقاسم السلطة؛ إذْ تؤكِّد الأدبيَّات أن صيغ تقاسم السلطة في السياقات الهشَّة تميل إلى إنتاج توازنات مؤقَّتة تُبنى على قواعد نفوذ، لا على مؤسَّسات دائمة؛ ما يؤدِّي إلى تجميد النزاع بدلاً من حلّه إذا غاب الضمان المؤسَّسي، هذا الإطار يساعد على تفسير السؤال القائل: لماذا يتحوّل المجلس في ظروف انقسام إقليمي، ومحلي إلى ساحة تنافس، وليس إلى منصَّة حكم فاعلة.
البعد السياسي: تناقض الأجندات الداخليَّة والإقليميَّة
1. طبيعة التناقضات:
1. طبيعة التناقضات
المجلس يضم مكونات ذات مشروعات سياسية مختلفة :
• مشروع اتحادي (يسعى لتطبيق مخرجات الحوار الوطني الشامل)
• مشروع مركزي (يسعى لإعادة بناء مؤسسات مركزية) ⁠
• ⁠مشروع جنوبي (يسعى لاستعادة دولة ما قبل 1990م في الشطر الجنوبي)
• ⁠ توجهات لحكم ذاتي (يسعى لحماية الموارد النفطية والموانئ)
هذا التباين ليس مجرَّد اختلاف في الأولويَّات، بل تُلازِمها شبكات دعم إقليمي متضادَّة؛ ف السعوديَّة تميل لدعم الجانب الذي يُظهر قدرة على ضمان استقرار الحدود، وفتح قنوات تفاوض، بينما الإمارات تدعّم فواعلٍ مراكز النفوذ التقليديَّة التي تسعى لفرض واقع سياسي، واقتصادي محلِّي. النتيجة المجلس مُكوَّن وفق مصفوفة توازنات إقليميَّة أكثر من كونه نتاج توافق داخلي متعمّق، ما ظهر في اللحظة التأسيسيَّة للهيئة، وفي الأداء اللاحق.
2. انعكاسات سياسيَّة عمليَّة:
• شلل التوافق: الحاجة إلى «إجماع، أو شبه إجماع» في قضايا كبرى أدّت إلى بطء القرار، وتعطيله.
• شرعيَّة هشة: غلبة منطق التعيين/التفويض الخارجي حدّت من قبول المجلس داخليًّا، وأضعفت قدرته على تعبئة قاعدة وطنيَّة.
• أُطر تفاوض مُشتّتة: غياب موقف تفاوضي موحَّد أمام الطرف المقابل (جماعة الحوثي) أفقد المجلس ميزة التفاوض الموحَّد.
البعد العسكري: ازدواجيَّة القيادة وغياب وحدة القرار
1. تجلِي الازدواجيَّة:
يتشارك داخل المجلس ممثِّلون ذوو قواعد عسكريَّة مستقلَّة كلّ منهم يحتفظ بهيكل قيادته، وسلسلة إمداده، واحتياجاته الميدانيَّة. هذا التعدُّد العسكري، بدلًا من أن يُسهِم في توحيد الجهد، أنتج مراكز قرار ميدانيَّة متعدِّدة تتصرَّف أحيانا وفق أجنداتها الخاصَّة.
2. عواقب عسكريَّة واستراتيجيَّة:
 تعطّل مشاريع الدمج: محاولات إدماج الفصائل في إطار وزارتي الدفاع، والداخليَّة اصطدمت بمقاومة، وبتوازنات نفوذ محليَّة.
 ضعف القدرة على تحريك موارد قتاليَّة مركزيَّة: المجلس لم يتمكن من بلورة قيادة عسكريَّة وطنيَّة موحَّدة قادرة على اتخاذ قرارات استراتيجيَّة متكاملة ضدّ خصم منظّم (جماعة الحوثي).
 استغلال فراغ القيادة: الطرف المقابل (جماعة الحوثي) استثمرَّت حالة التفكك هذه لتعزيز مواقعه، وفرض معادلات ميدانيَّة جديدة. كما وثقَّت تقارير تصاعدًا في قدرات الحوثي، وتوسُّعًا في نطاق عمليَّاته خلال الفترة نفسها، ممَّا ضاعف العبء على المجلس، وسلطاته المحدودة.
البعد الاقتصادي والإداري: تناقض الأجندات على الموارد والحوكمة
1. صراع على الموارد والإدارة:
• الموارد المحليَّة تحوّلت إلى أدوات ضغط، ومصادر تمويل غير رسميَّة لمكوِّنات المجلس المختلفة. الفاعلون المحليّون يسعون للاحتفاظ بنصيب؛ لإعادة تمويل قوَّاتهم، أو مشاريعهم السياسيَّة.
• الصراع حول إدارة الموارد يكرّس منطق «الاقتصاد كأداة قوَّة» بدلاً من كونه موردًا مشتركًا؛ لإعادة الإعمار والإدارة العامَّة، فكانت النتيجة تفاقم المشكلات الماليَّة، وغياب سياسات موحَّدة لإدارة أزمة العملة والخدمات.
2. ضعف الحوكمة والإدارة:
• ازدواجيَّة الهياكل: وجود أجهزة تنفيذيَّة متنافرة (مؤسَّسات حكوميَّة معترف بها، وسلطات محليَّة، وقوى موازية) أدَّى إلى تضارب عمل المؤسَّسات، وفشل في إيصال الخدمات.
• تُهَمِ الفساد وسوء الإدارة: معوِّقات إداريَّة، واتهامات متبادلة بالاستحواذ على موارد، أو توجيهها لأجندات خاصَّة؛ ما أضعف ثقة الشركاء الدوليِّين والمحليِّين، وجعل التدفُّق المالي لإصلاح الاقتصاد، أو تقديم الخدمات أقل فعاليَّة.
ترابط الأبعاد الثلاثة:
الأبعاد السياسيَّة، والعسكريَّة، والاقتصاديَّة متشابكة؛ فالتنافس السياسي مدفوع بتحصيل منابع اقتصاديَّة، ومقاعد ميدانيَّة؛ فالوجود العسكري المستقلّ يؤمِّن قدرة تفاوض سياسيَّة، والإدارة الاقتصاديَّة الضعيفة تؤثِّر في شرعيَّة المجلس. هذا التداخل يعني أنَّ معالجة أيِّ بُعد بمعزل عن الآخرَين ستفشل؛ فدمج القوَّات العسكريَّة بلا تفاهم سياسي حول توزيع الصلاحيَّات، والموارد سيبقى هشًّا، والعكس صحيح. هذه النتيجة تتماشى مع المخاوف من تقاسم السلطة التي تحذِّر من فشل الترتيبات إذا لم يُرافقها عمل مؤسَّسي، وضمانات مستدامة. ومن نتائج التحليل يمكننا استنتاج ما يلي:
1. لا يمكن حل مشكلة التشتّت العسكري بدون صفقة سياسيَّة واضحة حول مشاركة كلِّ أطراف الشرعيَّة في السلطة، وإعادة توزيع الموارد، وضمانات دمج مقبولة للفصائل.
2. إصلاح إدارة الموارد يجب أن يقترن بخطَّة شفَّافة للمحاسبة تضمن تحويل جزء من العوائد لصالح الخدمات المدنيَّة، ودمجها في ميزانيَّة مركزيَّة بضمانة إقليميَّة، ودوليَّة.
3. دور الضامن الإقليمي يجب أن يتحوَّل إلى دور «مُيسِّر وضامن» بدلًا من أن يكون طرفًا منافسًا يؤدِّي إلى تغذية الصراع.
انعكاسات صراع الشركاء على معركة استعادة الدولة، ومفاوضات السلام، والوضع الأمني والاقتصادي في المحافظات المحرَّرة:
أفضى الصراع الداخلي بين مكوِّنات مجلس القيادة الرئاسي إلى انعكاسات مباشرة على مسارات الحرب والسلام، وعلى الإدارة الأمنيَّة والاقتصاديَّة في المناطق الخاضعة للشرعيَّة. هذا الفصل يقدِّم تحليلاً وصفيًّا تحليليًّا لهذه الانعكاسات عبر ثلاثة محاور مترابطة (معركة استعادة الدولة، ومفاوضات السلام، والوضع الأمني والاقتصادي في المحافظات المحرَّرة).
أولا: معركة استعادة الدولة:
• جمود عسكري ميداني:
رغم الدعم الإقليمي، عجز المجلس عن توجيه القوَّات المختلفة في جبهة موحَّدة ضد الحوثيِّين. فالقوات الجنوبيَّة والشرقيَّة أولت اهتمامًا بالحفاظ على مناطق نفوذها أكثر من الانخراط في جبهات شماليَّة؛ إذْ إنَّ الاشتباكات داخل مناطق الشرعيَّة كانت بين فصائل حليفة شكليًّا، وليس ضد الحوثيِّين.
• غياب القيادة المركزية:
غياب هيئة أركان موحَّدة أضعف القدرة على التخطيط لعمليَّات استراتيجيَّة، وهو ما سمح لجماعة الحوثي بالاحتفاظ بمواقعها، وتعزيز سيطرتهم على الشمال والوسط.
• انعكاس سياسي:
هذه الديناميكيَّات قوَّضت خطاب “استعادة الدولة”، وأبقت المجلس في موقع دفاعي؛ ما أضعف قدرته على إقناع الداخل والخارج بأنَّه إطار صالح لإدارة معركة وطنيَّة جامعة.
ثانيا: مفاوضات السلام
• غياب موقف تفاوضي موحّد:
كلُّ مكوّن داخل المجلس حمل أجندته الخاصَّة إلى الطاولة؛ الانتقالي ركّز على القضيَّة الجنوبيَّة، والإصلاح وجناح من المؤتمر الشعبي ركزا على اليمن الاتحادي (مخرجات الحوار الوطني الشامل)، بينما طارق صالح ركَّز على إعادة إدماج جناح عائلة صالح. هذا التباين حال دون صياغة رؤية مشتركة للسلام.
• تأثير المحاور الإقليميَّة:
السعوديَّة في مرحلة ما دفعت نحو هدنة، وتفاهمات ثنائيَّة مع الحوثيِّين بعيدًا عن المجلس، وهو ما قلّص من مكانة مجلس القيادة التفاوضيَّة. بينمـا الإمارات شجَّـــعت حلفــاءها على التركيز على ضمان مصالحهم في الجنوب ، والساحل الغربي.
هذه السياسات الإقليميَّة فاقمت من تهميش المجلــــس في العمليَّة التفاوضية، وأضعف شرعيته أمام جمهوره الداخلي، ورسَّخ صورة أنَّه كيان صوري أكثر من كونه فاعلاً رئيسًا.
ثالثا: الوضع الأمني والاقتصادي في المحافظات المحرَّرة
1. الوضع الأمني:
 عدن كنموذج: شهدت العاصمة المؤقَّتة سلسلة اشتباكات بشكل متكرِّر بين قوَّات مرتبطة بمكوِّنات داخل المجلس؛ ما خلق حالة “أمن موازٍ”، وأضعف سلطة وزارة الداخليَّة.
 حضرموت والمهرة: ظلَّ النفوذ فيها موزَّعًا بين قطبي التحالف العربي، ودول إقليميَّة عبر وكلاء محلِّيِّين، ما جعل القرار الأمني خاضعًا لتوازنات خارجيَّة أكثر من المؤسَّسات المحليَّة.
2. الوضع الاقتصادي:
 النفط والغاز:
تعطُّل تصدير النفط من حضرموت، وشبوة منذ الهجمات الحوثيَّة على الموانئ في أواخر 2022م كشف هشاشة الإدارة الاقتصاديَّة؛ إذْ فشل المجلس في وضع خطَّة بديلة لتعويض الفاقد.
 العملة والخدمات:
البنك المركزي في عدن عجز عن السيطرة على أسعار الصرف؛ بسبب انقسام المكوِّنات، وغياب سياسة ماليَّة موحَّدة. وبلغ سعر صرف الريال أكثر من 1200 ريال/دولار في 2023م؛ ما انعكس في ارتفاع أسعار السلع الأساسيَّة بنسبة 40% وفق تقارير برنامج الأغذية العالمي.
 ازدواجية الإيرادات:
كلُّ مكوّن سعى للاحتفاظ بجزء من الموارد المحليَّة (جمارك، ونفط، ومنافذ) بدل تحويلها إلى خزينة مركزيَّة؛ ما فاقم أزمة رواتب القطاع العام، وأدَّى إلى احتجاجات واسعة خاصَّةً في عدن وحضرموت.
خلاصة الانعكاسات:
• على المستوى العسكري: تفكُّك القيادة حال دون تحقيق أيّ تقدّم استراتيجي في “استعادة الدولة”.
• على المستوى التفاوضي: المجلس تحوّل إلى “مسرح خلافات” أكثر من كونه منصَّة تفاوض موحَّدة، ما سمح للأطراف الإقليميَّة والدوليَّة بتهميشه.
• على المستوى الأمني والاقتصادي: سياسات المكوِّنات المتنافسة عمَّقت الانقسام المؤسَّسي، وأضعفت الشرعيَّة أمام الشارع.
هذا الوضع يُظهر أنَّ استمرار المجلس بصيغته الحاليَّة سيجعل أيَّ عمليَّة سلام، أو إصلاح اقتصادي هشَّة، ومعرَّضة للانهيار في غياب إصلاح جذري لبنية المجلس، أو إعادة هيكلته بدعم إقليمي ودولي.
السيناريوهات المستقبليَّة لمجلس القيادة الرئاسي:
تنبني السيناريوهات التالية على تشخيص بنيوي لصراعات الولاءات داخل (سياسيَّة – عسكريَّة –اقتصاديَّة)، وعلى تطوّرات ميدانيَّة، واقتصاديَّة معروفة في الفترة 2022–2024م (تدهور مؤشِّر سعر الصرف والتضخّم، تراجع قدرات التصدير النفطي، واستمرار أحداث العنف المسجَّل في قواعد بيانات الصراع). التحليل يربط بين هذه المعطيات، والأجندات الإقليميَّة (السعوديَّة – الإمارات)، وسياسات الفواعل المحليَّة.
تماسك نسبي بدعم خارجي محدود:
يستمر المجلس قائمًا كمؤسَّسة شكليَّة لكن يعمل بقدرة محدودة بفضل دعم إقليمي (سعودي –إماراتي) مركَّز على الحفاظ على شرعيته الدوليَّة، مع اتفاقات مؤقَّتة تسمح بتنسيق عسكري وسياسي محدود.
محركات السيناريو :
 استمرار دعم مالي، وسياسي من السعوديَّة، والإمارات ؛ لتجنُّب فراغ أكبر في الحكم (دوافع أمنيَّة إقليميَّة).
 مقايضات محليَّة تمنح حوافز تبقّي قادة فصائلهم ضمن إطار مناصب إداريَّة، حصص من الإيرادات المحليَّة.
 هدنة/فترات تهدئة إقليميَّة تسمح بتهدئة الجبهات مؤقَّتًا.

دلائل ميدانيَّة:
 تشكيل المجلس ذاته كان مدفوعًا بديناميكيَّات إقليميَّة، ورعاية التحالف؛ ما يجعله قابلًا للبقاء طالما أنّ الراعين لا يزالون راغبين في المحافظة عليه.
تأثيرات:
 تأثير سياسي: شرعيَّة مؤسَّساتيَّة شكليَّة مع ضعف في التعبئة الشعبيَّة.
 تأثير عسكري: استمرار ازدواجيَّة القيادة لكن مع تنسيق عمليَّاتي محدود (اتفاقيَّات تشغيل مشروطة).
 تأثير اقتصادي: استمرار إدارة موارد مجزَّأة؛ دعم خارجي يخفِّف بعض الضغوط لكنَّه لا يعالج أزمات سعر الصرف والتضخّم الهيكليَّة.
يبقى هذا السيناريو في حالة متوسِّطة إلى مرتفعة خلال 12–24 شهرًا إذا بقيت الرياض وأبوظبي ملتزمتين بسياسات التوازن، لكن الاحتمال يتناقص إذا تفاقمت الضغوط الميدانيَّة أو الاقتصاديَّة).
التآكل التدريجي وانهيار الفعاليَّة:
يتفتَّت تماسك المجلس تدريجيًّا إلى درجة يتحوَّل فيها المجلس إلى إطار شكلي بلا قدرة تنفيذيَّة حقيقية؛ تصاعد الخلافات يؤدِّي إلى انفراط عقد تحالفاته الداخليَّة، وتكثيف التفاهمات الإقليميَّة الثنائيَّة خارج إطار المجلس.
محرَّكات السيناريو:
 تزايد التنافس بين مكوِّنات مدعومة من المحورين الإماراتي والسعودي يؤدّي إلى صراعات داخليَّة مفتوحة.
 تفاقم الأزمة الاقتصاديَّة (انهيار سعر الصرف، فقدان القدرة على دفع الرواتب) يقوِّض القدرة على الاستقرار.
 فشل الوساطة الإقليميَّة في تقديم ضمانات مقنعة للبداء بإجراءات الدمج.

دلائل ميدانيَّة:
 هشاشة تماسك المجلس، واستمرار احتدام التنافس، مع مؤشِّرات على أنَّ بعض الأعضاء يتصرَّفون خارج إطار المجلس لصالح أجنداتهم المحليَّة.
 تقارير سجَّلت استمرار العنف، وعدم توحيد السلاح، وهذه مؤشِّرات تدعم سيناريو التآكل.
تأثيرات:
 سياسيًّا: فقدان سياسي للشرعيَّة الداخليَّة، وتوسع بدائل محليَّة-إقليميَّة للشرعيَّة (صياغات إقليميَّة – محليَّة بديلة).
 عسكريًّا: زيادة التشكيلات العسكريَّة المدعومة من التحالف العربي في مناطق الشرعيَّة، واحتمال عودة الصدامات بين الفصائل الموالية لكلٍّ محو،ر وإضعاف القدرة على مواجهة الحوثيِّين.
 اقتصاديًّا: تفاقم انهيار الخدمات، وتزايد مخاطر التدهور الإنساني، واللجوء إلى شبكات تمويل غير رسميَّة.
يبقى هذا السيناريو في حالة متوسِّطة إلى مرتفعة إذا استمرَّت الضغوط الاقتصاديَّة، وتراجع الدعم الخارجي، أو تغيّرت أولويات الرعاة الإقليميِّين.
إعادة تشكل المجلس:
الفكرة الأساسيَّة:
يفشل نموذج المجلس المركزي المشترك، لكن يؤدِّي التوتر إلى تسوية سياسيَّة تؤدِّي لإعادة هيكلة السلطة، إمَّا عبر اتفاق لامركزي-فيدرالي (بأيِّ شكل من أشكال الفيدراليَّة)، أو عبر عمليَّة مؤسَّسيَّة جديدة (مجلس مؤقَّت مع صلاحيَّات واضحة، أو تفويضات مناطقيَّة أكثر رسميَّة).
محرِّكات السيناريو:
 ضغوط داخليَّة (احتجاجات، ومطالب جهويَّة) مع ضغوط إقليميَّة تقبل بصيغة بديلة للمركزيَّة.
 فشل المجلس في تحقيق اختراق عسكري، وسياسي يدفع إلى قبول الأطراف بأنَّ صيغة أكثر لامركزيَّة قد تكون الحل الواقعي لاستقرار الخدمات والاقتصاد.
 وساطة محايدة (خليجيَّة، وعربيَّة، ودول أوروبيَّة، وأمميَّة) تقود عمليَّة تفاوضيَّة لإعادة ترسيم السلطات.

دلائل ميدانيَّة:
 دعوات المحافظات الجنوبيَّة والشرقية تشير إلى أنَّ خيار صيغة الإقليمين أوالفيدراليَّة، أو الحكم المحلِّي واسع الصلاحيَّات، أو الحكم الذاتي تُطرح عمليًّا كبديل واقعي إذا استمر فشل الصيغة الحالية للمجلس.
 تجارب إقليميَّة كالفدراليَّة، أو الكونفدراليَّة قد تخفِّف المواجهة المباشرة، لكن تتطلّب آليَّات محاسبة وضمانات لتقاسم الإيرادات.
تأثيرات:
 سياسيًّا: قد تُحسّن السلطات المحليَّة في المحافظات، أو الأقاليم (إذا نُفذت بضمانات واضحة)، لكنَّها قد تمهّد لانقسام فعلي سياسيًّا إذا لم تتضمَّن ضمانات وطنيَّة.
 عسكريًّا: يتطلَّب دمج القوَّات في هياكل وزارتي الداخليَّة والدفاع، مع مخاطر استمرار ولاءات موازية إن لم تُعالج بنظام وطني جديد، وجداول زمنيَّة.
 اقتصاديًّا: إمكانيَّة إدارة الموارد المحليَّة، وحوكمتها بكفاءة أكبر محليًّا بضمانات دوليَّة للشفافية والمحاسبة، ومراحل زمنيَّة، ومؤشِّرات أداء، لكن خطر فقدان اقتصاد موحّد إذا لم تُدرَج آليَّات تسوية عوائد الموارد.
يبقى هذا السيناريو في حالة متوسِّطة إلى مرتفعة على مدى 2–4 سنوات إذا تزايدت الضغوط المحليَّة والإقليميَّة، أو إذا توفّر ضامن إقليمي-دولي يؤمِّن فصلاً واضحًا للسلطات والموارد.
استبدال المجلس بصيغة شرعيَّة جديدة:
يسفر تراكم الفشل عن مبادرة إقليميَّة–دوليَّة؛ لإعادة هيكلة الشرعيَّة عبر صيغة جديدة، وتشكيل سلطة انتقاليَّة برعاية إقليميَّة، ودوليَّة واسعة، أو إجراء عمليَّة تمهيديَّة؛ لانتخابات محكومة بضوابط أمنيَّة دوليَّة.
محرِّكات السيناريو:
 إرهاق دولي من استمرار حالة الفشل، وزيادة التكلفة الإنسانيَّة، والسياسيَّة (تغيير أولويَّات رعاة الصراع).
 تصاعد ميداني، أو حدث جيوسياسي (هجوم كبير، وفقدان مصادر إيراد رئيسة) يدفع المجتمع الدولي لفرض صيغة جديدة.
 زخم محلِّي قوي يطالب باستبدال قيادة فشلت في تحقيق الخدمات والأمن.
دلائل ميدانيَّة:
 الضغوط المتصاعدة في الساحة الدوليَّة (تقارير عالمية، وتغيّر مواقف رعاة رئيسيِّين) قد تؤدِّي إلى مبادرات مشابهة؛ للتدخل الوسيط القوي الذي أنشأ المجلس أصلا.
تأثيرات:
 قد يخلق فرصة لإجراء إصلاحات مؤسَّسيَّة حقيقيَّة بشرط تحضير «خارطة طريق» انتقاليَّة تقترح معايير، وضوابط مسبقة لأيّ استبدال إذا صاحب الإجراء دعم دولي، وتنسيق مبكر مع الجهات المانحة؛ لتأمين حزمة ماليَّة، وإنسانيَّة تقطع الطريق أمام فراغ أمني.
 بالمقابل، قد يولّد فراغًا عدائيًّا إذا فُرضت صيغة جديدة دون توافق داخلي، أو ضمانات أمنيَّة كافية.
 يبقى هذا السيناريو في حالة منخفضة إلى متوسطة على المدى القصير (سنة – سنتين)، يرتفع إذا فقد الضامنون صبرهم، أو تغيَّر المشهد الإقليمي – الدولي فجأة.
المستقبل القريب لمجلس القيادة الرئاسي يتحدَّد بمدى استجابة الضامنين الإقليميِّين، والدوليِّين لثلاثة حقائق متَّصلة:
(1) الضغوط الاقتصاديَّة المتزايدة.
(2) ازدواجيَّة الأمر الميداني، وعدم توحيد القيادات.
(3) شرعيَّة داخليَّة هشَّة.
السيناريوهات أعلاه تقدِّم خرائط بديلة من «تماسك نسبي مدعوم خارجيا» إلى «تآكل وانهيار»، أو «إعادة تشكّل لامركزي» وحتى «استبدال مؤسَّسي»، كلّ سيناريو يحتم على صُنّاع القرار اختيار مزيج من الحوافز، والضمانات والبرامج الاقتصاديَّة المصمَّمة بعناية لمنع أسوأ النتائج، وتمكين بدائل قابلة للحياة.

أعضاء مجلس الرئاسة اليمني

مركز مداد حضرموت