تقدير موقف
فبراير 2025
سياسة الإدارة الأمريكيَّة الجديدة تجاه اليمن
(الخلفية والاحتمالات)
مقدّمة
تزداد أهميَّة اليمن الجيوسياسية يوماً بعد يوم في محيطها الإقليمي، والدولي مؤخَّرا بشكل سريع خاصة بعد الأحداث التي شهدتها المنطقة، منذ انطلاقة طوفان الأقصى، وما أعقبه من تفاعلات كبيرة -إيجابا وسلبا- ما جعل مناقشة الوضع اليمني يبرز على كلِّ الطاولات، وفي الأروقة السياسيَّة في المحافل الدوليَّة مؤخرًا.
سابقًا أولت الإدارات الأمريكيَّة المتعاقبة الملف اليمني أهميَّة ضعيفة؛ لتقاطعه مع ملفات أخرى أكثر أهميَّة في المنطقة. لكن مع الإدارة الجديدة لدونالد ترامب في فترته الثانية التي بدأت في20 يناير2025، فالملف اليمني سيكون من ضمن الأولويات على الطاولة، خاصةً مع المتغيِّرات الجديدة في منطقة البحر الأحمر؛ ووجود تهديد لمصالح الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة بشكل مغاير عن كل الفترات الماضية، على الرغم من أنَّ الفترة الأولى لـ”ترامب” في البيت الأبيض قدَّمت رؤى حول سياساته في قضايا محدَّدة، وتعامله المتوقَّع مع ملفات معقَّدة مثل ملف اليمن، إلاَّ أنَّ هناك مؤشرات بوجود تغيرات في نهجه خلال فترة حكمه القادمة، مقارنة بفترته الرئاسيَّة الأولى، في هذه الورقة سنقرأ سياسات محتملة للإدارة الأمريكيَّة الجديدة تجاه اليمن، والقضايا المتقاطعة معها من عدَّة جوانب، وانعكاسات الفترة الأولى لترامب في البيت الأبيض 2017 – 2020 على سياسته القادمة.
أولاً: سياسات الفترة الأولى لترامب تجاه اليمن
خلال فترة رئاسته من 2017 – 2020، لم يتعامل ترامب مع الملف اليمني بشكل رئيس، بل جعله ملفًا ثانويًّا مرتبطا بملفات الحلفاء الخليجيين والملف الإيراني، فكان مركِّزًا على المصالح الاستراتيجيَّة لأمريكا، ومن أبرزها: مكافحة الإرهاب، تعزيز العلاقات مع الحلفاء الإقليميين خاصة المملكة العربيَّة السعوديَّة، وملف إيران، فكانت نتائج هذا المقاربة سلبيَّة، لم تستفد من التجارب، والدروس السابقة حول الملف اليمني من خلال الإدارات السابقة؛ كون اليمن وأزمتها لها علاقة بملف دول الخليج العربي، وملف مكافحة الإرهاب، ويمكن تلخيص سياسة إدارة ترامب 2017 – 2020 تجاه اليمن بالتالي:
- دعم التحالف العربي وتنفيذ عمليَّات عسكريَّة لمكافحة الإرهاب
أحد الملامح البارزة في سياسة ترامب تجاه اليمن كان دعمه القوي للتحالف السعودي الإماراتي في عمليَّاته العسكريَّة، الذي يقاتل إلى جانب الحكومة اليمنيَّة المعترف بها دوليًّا ضدَّ جماعة الحوثي المدعومة من إيران، والمنقلبة على الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، وأعاد تزويد التحالف بالأسلحة، والمعدَّات العسكريَّة، بالإضافة إلى المساعدة الاستخباراتيَّة واللوجستيَّة. بل ذهب بعيدًا في دعمه للتحالف العربي باستخدامه حقَّ الفيتو الرئاسي في إبريل من 2019؛ لإبطال قرار الكونغرس لإيقاف الدعم الأمريكي لحرب التحالف في اليمن[1]. وقامت الولايات المتَّحدة بتكثيف الضغوط العسكريَّة والاستخباراتيَّة ضدَّ هذه الجماعات، وأمر بتنفيذ عمليَّات عسكريَّة مباشرة على أهداف لتنظيم القاعدة بطائرات دون طيارة أدَّت إلى مقتل قيادات، وعناصر للقاعدة أبرزهم زعيم تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” قاسم الريمي في غارة استهدفت منزلاً يختبئ فيه في شرق مدينة مأرب في أواخر يناير 2020 [2].
- عقوبات مالية على كيانات وأفراد:
ركَّز ترامب على مكافحة تمويل الجماعات الإرهابيَّة، وفرض العديد من العقوبات على جهات وأشخاص متَّهمين بدعم، وتمويل أنشطة إرهابيَّة، كجماعة الحوثي للضغط على إيران بدرجة عالية، وكان أبرز تلك القرارات التي أصدرها قبل مغادرته منصب الرئاسة تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابيَّة [3]، ومنع التعامل ماليًّا مع الجماعة، وهي خطوة حظيت بدعم سعودي، وإماراتي، ومن الحكومة اليمنيَّة المعترف بها دوليًّا، لكن بايدن ألغى ذلك التصنيف، وأعاده مرَّة أخرى في يناير بداية 2024 [4] بعد بدئ جماعة الحوثي عمليَّات مهاجمة السفن التجاريَّة في البحر الأحمر، وتهديد خطِّ الملاحة المارّ عبره.
- الدبلوماسيَّة السياسيَّة والجانب الإنساني:
رغم الدعم العسكري للتحالف، كان هناك بعض الجهود الدبلوماسيَّة الأمريكيَّة لوقف الصراع، لذلك لجأت إدارة ترامب في بعض الأوقات لاستخدام الدبلوماسيَّة؛ لدعم جهود الأمم المتَّحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن، ودعمت العودة إلى مسار المحادثات علنًا، ومارست ضغوطات على حلفائها الخليجيين، والحكومة اليمنيَّة لوقف معركة تحرير مدينة الحديدة من جماعة الحوثي، والتوصُّل لاتفاق ستوكهولم [5] في ديسمبر 2018 التي قادته الأمم المتَّحدة، الذي أوقف العمليَّة العسكريَّة تجاه مدينة الحديدة، ولكن بنود الاتفاق لم تنفذ كاملاً فيما بعد، في أواخر 2019، وأوائل 2020 بدأت بعض محاولات؛ لوقف القتال بين الأطراف المتحاربة، وكان هناك بعض التقدُّم في محادثات السلام، لكن هذه المفاوضات لم تنجح في إحراز تقدُّم كبير. على الرغم من التصريح بدعم الجهود الإنسانيَّة، والتحجُّج بذلك كما كان في اتفاق ستوكهولم إلاَّ أنَّه تمَّ تقليص المساعدات الإنسانيَّة المقدَّمة من أمريكا لليمن في مارس 2020 [6]، وأوقفت إدارة ترامب التمويل لتلك المساعدات الإنسانيَّة، فأدت هذه الخطوة لتفاقم الأزمة الإنسانيَّة في البلاد.
- مواجهة النفوذ الإيراني:
رأت إدارة ترامب أنَّ الحرب في اليمن متعلِّقة بالنفوذ الإيراني في المنطقة؛ لذلك لابدَّ من دحر إيران، وهزيمتها في هذه الحرب؛ لمواجهة النفوذ الإيراني وتقليصه، حيث كان الدعم الإيراني لجماعة الحوثي تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، كما تراه إدارة ترامب، التي سعت جاهدة لممارسة ضغوط كبيرة على إيران، وذلك بفرض عقوبات على السفير الإيراني في صنعاء في ذلك الوقت حسن إيرلو [7] ، وكان ذلك يشمل محاولة منع إيران من تقديم الدعم للحوثيين في اليمن.
ثانيًا: سياسات بايدن تجاه اليمن
شهدت سياسة بايدن تجاه اليمن تحوّلات كبيرة، ممَّا أثَّر بشكل كبير على الوضع اليمني والإقليمي، فمنذ تولِّيه الرئاسة خلفًا لترامب أعلنت إدارته في أيامها الأولى أنَّ إنهاء الحرب في اليمن يمثِّل أحد أولوياتها في السياسة الخارجيَّة، وكذا وقف الدعم للتحالف العربي الذي تقوده المملكة العربيَّة السعوديَّة لاستعادة الشرعيَّة، وسحب أنظمة الدفاع الجوي من المملكة عندما كانت تتعرَّض لهجوم الحوثيين، وتعيين مبعوث خاص تيموثي ليندركينغ لقيادة الجهود الدبلوماسيَّة كونه يملك خبرة في شؤون المنطقة التي عمل فيها لسنوات؛ طمعًا في الوصول لحلٍّ سلمي للأزمة اليمنيَّة، وقد قام بالعديد من الزيارات منذ تعيينه في فبراير 2021 وحتى مارس 2022، وأثمرت هذه الجهود في تحقيق اختراق مهم هو اتفاق هدنة لمدة شهرين [8]أعلن عنها مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتَّحدة لليمن في أبريل 2022 تضمَّنت وقف جميع العمليَّات العسكريَّة الهجوميَّة داخل اليمن، وكذا العمليات الهجوميَّة التي تمرُّ عبر حدوده، في إشارة للهجمات على السعوديَّة، وتمَّ تجديدها عدَّة مرات حتى أصبح أمرًا واقعًا، وهي أطول هدنة منذ بداية الأزمة، أتت هذه الهدنة ضمن سباق التنافس بين المبعوثين الأمريكي والأممي إلى اليمن. أعقب ذلك الإعلان عن مجلس القيادة الرئاسي كتغيير في معسكر الشرعيَّة لتوحيد قيادتها لمواجهة الحوثي، والبعض عدَّه خطوة للدفع بعمليَّة السلام بين طرفين فقط بعد أن عانت الشرعيَّة من تعدُّد القوى في مناطقها، وهو ما رفضه الحوثي بعدِّه مجلسًا تمَّ تأسيسه بإرادة قوى إقليميَّة ويدار من قبلها (السعوديَّة والإمارات)؛ وهو يعاني من انقسامات حادَّة بين الأطراف المكوِّنة له.
رغم استخدام بايدن وإدارته لاستراتيجيَّات مختلفة في التعامل مع الملف اليمني إلاَّ أنَّها اصطدمت بتعقيدات الوضع في اليمن، والانقسام الحادّ بين أطراف النزاع الداخليَّة، وخلافات حلفاء الشرعيَّة -السعوديَّة والإمارات- ؛ إذْ لم تتمكَّن إدارة بايدن من احتواء الانقسامات والخلافات، ممَّا أضعف موقف الحكومة الشرعيَّة، وأعطى الحوثيين قوَّة لتصعيد هجماتهم، خاصَّةً بعد رفع جماعة الحوثي من قوائم الإرهاب، وهو ما صعَّد من هجمات الجماعة باستهداف مناطق سيطرة الحكومة الشرعيَّة، وتطوَّرت هجمات الحوثيين لتصل إلى منشآت حيويَّة في السعوديَّة والإمارات؛ ممَّا يدلُّ على استهانته بالوضع والحسابات في اليمن، وعدم فهم لديناميكيَّات الصراع في اليمن وجذوره بشكل صحيح.
بقيت محاولات السير في اتجاه الحلول السياسيَّة، والمفاوضات التي عُدَّت في كثير من الأوقات أنَّها بين الحوثيين كطرف، والمملكة العربيَّة السعوديَّة كطرف ثانٍ -مع تجاهل الحكومة الشرعيَّة اليمنيَّة في أغلب الجولات- لاحتواء تهديد جماعة الحوثي، وتأثير ضرباتها سواء على الأمن القومي للمملكة، أو الإمارات، واتخاذ خطوات معلنة، منها زيارة السفير السعودي محمد آل جابر إلى صنعاء في إبريل 2023، وحديث وزير الخارجيَّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أنَّه حان الوقت لتنفيذ خارطة السلام في اليمن [9] في يوليو 2024، وجولة من المشاورات حول ملف المحتجزين والمختطفين، والمخفيين قسرًا [10] في نهاية يونيو 2024 التي استضافتها العاصمة العمانيَّة مسقط، إلاَّ أنَّ جماعة الحوثي رفعت من سقف مطالبها كعادتها في كلِّ مرَّة؛ لمحاولة التهرُّب من التزامات أيّ اتفاقيَّة تكون طرفًا فيها، وممَّا يشجّعها على ذلك عدم ضغط الرعاة في كلِّ تلك الاتفاقيَّات السابقة سوى الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، أو الأمم المتَّحدة. فبقيت كلَّ المساعي لحلَّ الصراع اليمني تراوح مكانها حتى انطلقت معركة طوفان الأقصى التي أعلنت عنها المقاومة الفلسطينيَّة (حماس) في غزَّة في 7 أكتوبر من العام 2023؛ لتعلن جماعة الحوثي عن عمليَّاتها العسكريَّة في البحر الأحمر، وتطوَّرت هذه العمليَّات فيما بعد لتصل للبحر الأبيض المتوسّط وضربات عديدة للاحتلال الصهيوني، ممَّا أدَّى بإدارة بايدن إلى التغيير من نهجها في التعامل مع الملف اليمني خاصَّة مع جماعة الحوثي التي أعدَّتها مهدِّدةً لمصالحها في المنطقة، فدعت لتشكيل تحالف عسكري [11] لحماية الملاحة في البحر الأحمر، ولردع الحوثيين، وصدِّ هجماتهم في البداية، ومن ثمَّ تطوَّرت العمليَّات لتوجيه ضربات عسكريَّة لمواقع حوثيَّة في مناطق سيطرة الجماعة في محاولة؛ لإضعاف القدرات العسكريَّة للحوثيين، ولم يكن الهدف تدمير القدرات العسكريَّة، والقضاء على الحوثي، وهو ما يلاحظ من نتائج الضربات العسكريَّة الموجَّهة لهم في كلِّ مرَّة، ومن الأهداف لتلك الضربات التي كان أغلبها شواهد مدنية.
شهدت اليمن صراعًا معقَّدًا، تتداخل فيه عوامل داخليَّة وخارجيَّة، وتلعب القوى الإقليميَّة والدوليَّة دورًا كبيرًا في تحديد مساره، فقد أدَّت تحوُّلات السياسة الأمريكيَّة بين إدارتي ترامب وبايدن إلى تغييرات كبيرة في هذا المشهد، فبعد عودة ترامب للرئاسة لولاية ثانية، سيواجه تحدِّيات جديدة تختلف تمامًا عمَّا كانت عليه خلال ولايته الأولى؛ سيتعيَّن على ترامب التعامل مع صعود الحوثيين كقوَّة إقليميَّة بعد أن كانوا في عزلة، وتأثيرهم المتزايد على الأمن في البحر الأحمر وخطوط الملاحة البحريَّة وفي المنطقة بشكلٍ عام، وسيكون عليه تحديد موقفه من التقارب السعودي الإيراني، وكيفيَّة التعامل معه في سياق استراتيجيَّته تجاه المنطقة، وستكون فرص تحقيق السلام في اليمن معقَّدة، في ظلِّ استمرار التوتُّرات الإقليميَّة، وتصاعد نفوذ الحوثيين. كل تلك التحدِّيات تتطلَّب استراتيجيَّات واضحة للتعامل مع الوضع اليمني والإقليمي المتغيِّر.
ثالثاً: سياسات مرتقبة لترامب في ولايته الثانية تجاه اليمن
بدأ الحديث مبكِّرًا عن التحدِّيات التي ستواجه ترامب خلال فترته الثانية في البيت الأبيض بعد الفوضى المتراكمة منذ ولايته الأولى، والسياسة المرتعشة لبايدن في التعامل مع الملف اليمني، والملفات الإقليميَّة المعقَّدة، والمتداخلة مع الملف اليمني، وذهب الحديث أبعد من ذلك في وضع سيناريوهات عن كيفية تعامل ترامب، وإدارته مع كلِّ التحديات، والمقاربات التي يمتلكها للتعامل مع الملف اليمني، ويمكننا وضع سيناريوهات بعد قراءة للإجراءات والخطوات الأوَّليَّة لترامب وإدارته منذ 20 يناير 2025:
- تثبيت الواقع الحالي، والإبقاء على حالة الهدنة:
من السيناريوهات المحتملة هو السعي للمحافظة على حالة الهدنة التي بدأت منذ أبريل 2022 بين الأطراف المتنازع الداخليَّة، والخارجيَّة بإعلان مكتب المبعوث الخاص للأمم المتَّحدة لليمن، ومحاولة تنفيذ بعض الالتزامات التابعة لها فيما يخص الجانب الاقتصادي؛ لتحسين الوضع المعيشي الذي يزداد سوءً كلَّ يوم، ويلقي بظلاله على المواطنين اليمنيين عمومًا سوى في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعيَّة، أو جماعة الحوثي، وممَّا يدعم هذا السيناريو رغبة المملكة العربيَّة السعوديَّة -اللاعب الإقليمي الأهم في الأزمة اليمنيَّة، والراعي للحكومة الشرعيَّة- والحليف الأبرز لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط؛ لتهدئة الأوضاع، وعدم العودة للعمليَّات العسكريَّة، وسعيها المستمر في اللقاء بالحوثيين في صنعاء عبر السفير محمد آل جابر لدى اليمن في الزيارة التي أشرنا لها سابقًا في نفس الورقة، والحديث عن خارطة طريق للسلام أكثر من مرَّة أنَّها جاهزة للتوقيع في تصريح لوزير خارجيتها – كما أشرنا لذلك سابقًا في نفس التصريح أيضًا – خاصَّة أنَّ المرحلة الأولى (مرحلة بناء الثقة) التي تركِّز على جانب إيقاف القتال، والتدخّل الإنساني، ووضع معالجات لذلك، في إشارة عن عدم الرغبة في إحداث أيّ تغييرات جذريَّة في المشهد اليمني الداخلي، وكذلك دعم المملكة العربيَّة السعوديَّة للحكومة الشرعيَّة عن طريق البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن، ومركز الملك سلمان للإغاثة، والأعمال الإنسانيَّة في كثير من المشاريع، والفترات الصعبة التي تمرُّ بها الحكومة الشرعيَّة بشكل متكرِّر؛ ومن الخطوات التي اتخذتها السعوديَّة أيضًا في هذا الجانب رفضها للانضمام لما يُسمَّى بتحالف حارس الازدهار، والتقارب مع الطرف الإيراني برعاية صينيَّة في مارس من العام 2023 [12] لاستئناف العلاقات بين المملكة وإيران التي تُعدُّ الداعم الرئيس لجماعة الحوثي، والمؤثِّر الأبرز على سياسات الجماعة حتَّى وإنْ أظهر في بعض الأوقات عدم تأثيره على الجماعة، وسياساتها عبر تصريحات بعض المسؤولين في الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة. والتخوفات الأمريكيَّة وحلفائها الأوربيين من سيطرة فصيل سياسي أو عسكري ذي خلفيات مغايرة عنها على المشهد اليمني في حالة سقوط سلطة الحوثي في المناطق الشماليَّة كما حدث في سوريا مؤخَّرًا دون وجود ضمانات تحافظ على مصالح أمريكا، وحلفائها في اليمن عامل مهم لمحاولة الإبقاء على الوضع الراهن.
- دعم جهود السلام لحلِّ الأزمة وإنهاء الصراع:
ذكرنا سابقًا أنَّ ترامب خلال فترة تواجده الأولى في البيت الأبيض كانت له جهود دبلوماسيَّة لوقف الصراع بين الأطراف المتنازعة، والعودة لمسار التفاوض، وممارسة بعض الضغوطات على الحلفاء الخليجين، والحكومة اليمنيَّة؛ للوصول لحلٍّ سياسي لإنهاء الأزمة اليمنيَّة، خاصةً في خضم معركة تحرير الحديدة التي أطلقتها الحكومة الشرعيَّة ضد جماعة الحوثي، وهي ما أسفرت عن الوصول لوقف القتال، وتوقيع اتفاقية ستوكهولم في 2018 بالتعاون مع مكتب المبعوث الأمم لدى اليمن، وأيضًا المحادثات التي بدأت لوقف القتال في أواخر 2019، فيبدوا لنا من ذلك أنَّ هناك احتماليَّة لهذا السيناريو، خاصةً أنَّ هناك حديثًا عن خارطة طريق للسلام في فترة ما قبل انطلاق عمليَّة طوفان الأقصى في أكتوبر 2023 بشكل مكثَّف، وأنَّ هناك تفاهمات حول العديد من النقاط المهمَّة بين الأطراف الرئيسة؛ المملكة العربيَّة السعوديَّة -الراعية لهذه الخارطة- والحوثيين، وأيضًا حديث ترامب في كثير من خطاباته الانتخابيَّة أنَّه يسعى لإنهاء الصراعات في العالم خلال فترة رئاسته الثانية، وممَّا يدعم هذا السيناريو جديَّة ترامب، وإدارته في توصّل المقاومة الفلسطينيَّة، والكيان الصهيوني المحتل لاتفاق وقف إطلاق النار قبل مراسيم تنصيبه في 20 من يناير الماضي، وهو ما تمَّ بالفعل، وحديثه المتكرِّر أيضًا في حملته الانتخابيَّة [13] عن وجود خطط لديه لوقف القتال ما بين روسيا وأوكرانيا والشرق الأوسط، فكلِّ تلك المؤشِّرات تدلُّ على أنَّ الإدارة الأمريكيَّة الجديدة بقيادة ترامب قد تنتهج هذا الشيء أيضًا في تعاملها مع الأزمة اليمنيَّة، وأيضًا وضع جماعة الحوثي التي تُعدُّ أحد أهم أذرع إيران في المنطقة، بعد تعرُّض مشروع محور الممانعة لضربات قاسية خلال الفترة الماضية في لبنان -حزب الله- وسوريا بسقوط نظام بشَّار الأسد، وضربات مباشرة لإيران قائدة المشروع؛ وهو ما قد تأخذه جماعة الحوثي بعين الاعتبار للحفاظ على مكتسباتها التي حقَّقتها في الفترة الماضية.
- إطلاق عمليَّة عسكريَّة، وحسم المعركة مع جماعة الحوثي:
هذا السيناريو تزداد فرصه بشكل أكبر كلَّ يوم بعد أن أصبح الوضع الأمني في البحر الأحمر، وخطوط الملاحة البحريَّة هشًّا؛ ممَّا يعني انتهاء ما يسمَّى خارطة الطريق للسلام، وقد كان أحد أبرز ملامح سياسة ترامب في فترته الأولى، فكان ترامب داعمًا بقوَّة للتحالف العربي في عمليَّاته ضدَّ جماعة الحوثي في عمليَّة عاصفة الحزم التي انطلقت بقيادة المملكة العربيَّة السعوديَّة في 2015 [14]، وفتح خطوط الإمداد اللوجستي؛ لتزويد التحالف بالأسلحة، والمعدات العسكريَّة في صفقات سلاح كبرى، وتوفير المعلومات الاستخباراتيَّة أيضًا وصولاً لتنفيذ سلاح الجوِّ الأمريكي ضربات عسكريَّة مباشرة، ومكثّفة لعدة أهداف لقيادات، ومواقع لجماعات إرهابيَّة حسب وصف قيادة الجيش وإدارته، وممَّا يعزِّز هذا السيناريو تصنيف ترامب – في 23 يناير بعد الانتهاء من مراسيم تنصيبه ليعود رئيسًا لأمريكا مرَّة أخرى – لجماعة الحوثي كمنظَّمة إرهابيَّة أجنبيَّة [15] بموجب القرار أمر تنفيذي، الذي جاء في مادته الثانية “تتمثل سياسة الولايات المتَّحدة في التعاون مع شركائها الإقليميِّين للقضاء على قدرات، وعمليَّات أنصار الله، وحرمانها من الموارد، وبالتالي إنهاء هجماتها على الأفراد والمدنيين الأمريكيِّين، وشركاء الولايات المتَّحدة، والشحن البحري في البحر الأحمر”، خصوصًا في ظلِّ مخاوف دول الخليج بشأن عودة ضربات جماعة الحوثي لمصالحها، ومنشآتها الحيويَّة داخل أراضيها، واهتزاز ثقتها في الحماية الأمريكيَّة؛ فقد يكون خيار العمليَّات العسكريَّة على عدَّة مستويات:
- شن حملة عسكريَّة نوعيَّة وقصيرة على الحوثيين، تحجِّم من قدرات الحوثيين العسكريَّة، وتمنعهم من العودة إلى استهداف ممرَّات الملاحة الدوليَّة، والقضاء على بعض القيادات العسكريَّة العليا للحوثي، مع عدم القضاء الكامل عليهم، والإبقاء على الجماعة الحوثيَّة لخلق توازن قوى مع الأطراف الأخرى في الداخل اليمني، ومحاولة الابتزاز السياسي لقيادة تحالف استعادة الشرعيَّة، وإنهاء الانقلاب الحوثي -المملكة العربيَّة السعوديَّة- وربط ملف اتفاقيَّات الحماية الأمنية بملف التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، خاصةً أنَّ الإمارات العربيَّة المتَّحدة قد أعلنت تطبيعها مع إسرائيل مسبقًا، وهي الطرف الثاني في التحالف العربي.
- قيادة تحالف مع الحلفاء في أوربَّا وفي الشرق الأوسط (الدول المطلَّة على البحر الأحمر) لإطلاق عمليَّة عسكريَّة بتنفيذ ضربات جويَّة وبحريَّة مكثَّفة للقضاء على قيادات جماعة الحوثي، واستهداف أماكن تخزين الأسلحة، والذخيرة، ومنصات إطلاق الطائرات المسيّرة، والصواريخ، والمنشآت العسكريَّة بشكل عام للحوثيين؛ لإجبار الحوثيين على التراجع عن مغامراتهم الأخيرة، وطموحاتهم في أنْ يكونوا قوَّة إقليميَّة مستقبلاً لا يمكن السيطرة عليها لاحقًا.
- رفع القيود وخفض الضغوطات على التحالف العربي، والحكومة الشرعيَّة، والأطراف اليمنيَّة المناوئة لجماعة الحوثي، والالتزام بتوفير غطاء سياسي؛ لتطلق عمليَّة عسكريَّة واسعة (حسم عسكري) لإنهاء انقلاب جماعة الحوثي، واستكمال ما بدأته منذ العام 2015 لاستعادة الدولة، ومؤسساتها من الحوثيين، وهذا أولاً يحتاج لبناء تفاهمات بين قيادتي التحالف العربي – السعوديَّة والإمارات – اللذَين يتنافسان بشدَّة؛ لاستقطاب الفاعلين في الحكومة الشرعيَّة، ومحاولة عرقلة كلِّ طرف للأخر-، وهو ما سينعكس على عمل مجلس القيادة الرئاسي الذي تشكَّل بإشرافهم وتحت رعايتهم، وتوحيد القرار السياسي، وإعلان السياسات، واللوائح المنظِّمة لعمل مجلس القيادة الرئاسي، وتوصيف عمل أعضائه، وعودة أعضاء المجلس للعمل من داخل الأراضي اليمنيَّة، وإجبار كلَّ الكيانات المشكّلة للمجلس على الاتفاق؛ لتوحيد القوات تحت وزارة الدفاع اليمنيَّة، وتخضع لقيادتها وهيئة أركانها.
[1] الحرب في اليمن: ترامب يستخدم الفيتو الرئاسي لإبطال قرار للكونغرس بإنهاء الدعم الأمريكي – BBC News عربي
[2] وريث الظواهري صُفّي.. ترمب يؤكد مقتل قاسم الريمي
[3] بومبيو يصنف المتمردين الحوثيين في اليمن كجماعة إرهابية | أخبار PBS
[4] إدارة بايدن تُعيد تصنيف الحوثيين ككيان “إرهابي دولي مصنف تصنيفًا خاصًا”.. ماذا يعني ذلك وما الهدف؟ – CNN Arabic
[5] النص الكامل لاتفاق استوكهولم | OSESGY
[6] الكونغرس الأمريكي يدفع ترامب إلى إعادة المساعدات الإنسانية إلى اليمن
[7] ترحيب حكومي بإعلان الولايات المتحدة فرض عقوبات على “إيرلو” | عدن نيوز
[8] مبادرة من الأمم المتحدة لإبرام هدنة مدتها شهران | OSESGY
[9] الرياض: خارطة حل الازمة اليمنية جاهزة للتوقيع عليها
[10] مجلس القيادة الرئاسي يعقد اجتماعا استثنائيا لمناقشة المستجدات الوطنية
[11] تحالف “حارس الازدهار”.. قوة بحرية دولية لمواجهة الحوثيين | الموسوعة | الجزيرة نت
[12] بيان مشترك في ختام مباحثات وزيري الخارجية في المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية في العاصمة بكين
[13] https://x.com/realDonaldTrump/status/1851658527187550629
[14] انطلاق «عاصفة الحزم» الخليجية لإنقاذ اليمن
[15] تصنيف أنصار الله كمنظمة إرهابية أجنبية – السفارة الأمريكية لدى اليمن
لتحميل الورقة اضغط هنا

مركز مداد حضرموت
اضف تعليقا