مقدمة

جاءت زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي د. رشاد العليمي، ومعه عضوا المجلس د. عبدالله العليمي والشيخ عثمان مجلي في زيارته الثَّانية إلى محافظة حضرموت في  27 يوليو 2024م، وذلك في ظل تزايد احتقان الوضع في المحافظة بسبب تدهور الأوضاع المعيشة، وانهيار منظومة الخدمات العامة، وتواصل انهيار العملة المحليَّة أمام العملات الأجنبية، وتوقف العملية التعليمية منذ الفصل الدراسي الثاني للعام الماضي، وكذا العديد من المتغيرات في ملف الأزمة اليمنية. وقد كانت الزيارة الأولى في 24 يونيو 2023م منذ إعلان تشكيل المجلس الرئاسي في إبريل من العام 2022م. وقد عقد الرئيس وعضوا المجلس اجتماعات مع قيادات السلطة المحليَّة والمكتب التنفيذي والقيادات العسكرية والأمنية والشخصيات السياسية والاجتماعية والإعلامية وممثلي منظمات المجتمع المدني.

وفي ظل التوصل لاتفاق؛ لخفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي، والخطوط الجوية اليمنية بين الحكومة الشرعيَّة المعترف بها دوليا وجماعة الحوثي في 23 يوليو 2024م برعاية مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة[1]، والعودة لمسار التفاوض، وإحياء خارطة الطريق التي لعبت المملكة العربيَّة السعودية قائدة التحالف العربي دورا كبيرا فيه، وفي ظل حدوث توتر بين السلطة المحليَّة بالمحافظة، وبعض المكونات الاجتماعية التي رفعت من درجة تصعيدها ضد سياسات المحافظ مبخوت بن ماضي، والحكومة المركزيَّة كما أعلنت في بياناتها، وكان أبرزها مؤتمر حضرموت الجامع وحلف قبائل حضرموت.

هذه الورقة تتناول دوافع الزيارة ومآلاتها.

 

السياق

منذ انعقاد المشاورات اليمنية اليمنية بمشاركة نحو 500 شخص من مختلف المكونات في المجتمع اليمني التي احتضنتها الرياض، وبرعاية مجلس التعاون لدول الخليج العربيَّة خلال الفترة بين 29 مارس و7 أبريل 2022م التي انتهت بقرار الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهوريَّة اليمنية رقم (9) بشأن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي؛ لإدارة الدولة سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا خلال الفترة الانتقاليَّة، وتفويضه بكامل صلاحيات رئيس الجمهوريَّة برئاسة د. رشاد العليمي وعضويَّة 7 آخرين [2] . حيث شاركت حضرموت بوفد مشترك (مؤتمر حضرموت الجامع، وحلف قبائل حضرموت، ومرجعية قبائل حضرموت) مكون من 8 أعضاء برئاسة الشيخ عبدالله بن صالح الكثيري رئيس مرجعية قبائل حضرموت[3]، وأيضًا السلطة المحليَّة للمحافظة ممثلة بمحافظ المحافظ آنذاك اللواء الركن فرج سالمين البحسني وقائد المنطقة العسكرية الثَّانية، والذي أصبح فيما بعد عضوًا في مجلس القيادة الرئاسي المعلن، وأعضاء مجلس النواب والشورى من الحضارم. وقد استبشر أبناء المحافظة بهذا التمثيل، والمشاركة التي اعتبروها خطوة إيجابية لإشراكهم في المرحلة الجديدة والحساسة، وانتهى حقبة الإقصاء والتهميش التي عانوا منها من قبل الأنظمة المتعاقبة على حضرموت منذ العام 1967م، لكن سرعان ما تلاشى هذا الشعور بعد عودة التجاذبات التي عصفت بالمحافظة من قبل، بل دخلت مرحلة جديدة، لعلَّ أبرزها تصاعد صراع النفوذ الذي مثَّله المحافظ المُعيَّن جديدًا مبخوت بن ماضي بتاريخ 31 يوليو 2022م [4]، والمحافظ السابق وقائد المنطقة العسكرية الثَّانية اللواء الركن فرج سالمين البحسني عضوا المجلس الرئاسي، وانعكست هذه التجاذبات على الكثير من الملفات المهمَّة داخل المحافظة التي شهدت عرقلة في إنجازها، حتى جاءت ضربة جماعة الحوثي لميناء الضبة في أكتوبر 2022م[5] التي حرمت المحافظة من حصتها بسبة 20% من مبيعات النفط الخام، وقد أصدر محافظ حضـرموت الأستاذ مبخـوت مبـارك بن ماضي، القرار رقم “51” لسنة 2023م، بشـأن تشكيل لجنة لتوحيد وجهات النظر بين المكونات والقوى بمحافظة حضرموت في 16 مارس 2023م [6] في محاولة استخدام الأدوات الناعمة في الصراع الدائر، واحتدم الصراع في بعض المراحل إلى حد الاقتراب من استخدام الأدوات الخشنة -سيناريو رسم لإدخال المحافظة في أتون الصراعات المسلحة- الذي رفضه جميع أبناء المحافظة ومكوَّناتهم نظرًا لطبيعتهم التي يميلون بها للسلم وللحوار أكثر من ميلهم للانخراط في الصراعات المسلحة، وأبرز فصوله حادث مركز بلفقيه الذي يعتبر مقر السلطة المحليَّة والقريب من القصر الجمهور بالمكلا في نهاية مارس 2023م، وكذلك تعرض أفراد من وحدة اللواء الأول حماية رئاسيَّة التي كانت طرفًا في حادثة مركز بلفقيه سابقة الذكر؛ للضرب أمام بوابة معسكر ربوة خلف، والانتهاكات المرافقة لإحدى الحملات الأمنية لأبناء أحياء مدينة المكلا، والذي أكده بيان حلف قبائل حضرموت بتاريخ 29 أكتوبر 2023م [7] والذي ذكر في البند (3) دولة الإمارات العربيَّة المتحدة كأحد أطراف صراع النفوذ في ساحل حضرموت بدعم أجندة سياسيَّة خاصَّة، وفرضها بالمال وقوة السلاح على المجتمع الحضرمي.

وقد كان رد البحسني في سياق استخدام الأدوات الناعمة بعد رفض جميع الحضارم استخدام الأدوات الخشنة بالانضمام للمجلس الانتقالي كنائب لرئيسه اللواء عيدروس الزبيدي بعد انتهاء الحوار الجنوبي في عدن مطلع مايو 2023م [8]، وقد كان انعقاد الدورة السادسة للجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي  في مدينة المكلا التي دعاء لها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي خلال الفترة 21 – 22 مايو 2023م [9]، وكان وصول الزبيدي للمدينة قبل أيام من انعقاد الجمعية الوطنية على متن آلية عسكرية (مدرعة)، واستعراض القوة العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي القادمة برا من عدن بالتزامن مع دعوات اجتياح حضرموت من نشطاء محسوبين على الانتقالي، والذي اعتبره بعض الحضارم استفزازًا لهم مما استدعى عقد اجتماع في مدينة سيئون (بيان سيئون) لمكونات رافضة بتاريخ 18 مايو 2023م، وقد كانت تلك القوى المشاركة نواة لمجلس حضرموت الوطني حاملاً سياسيًّا لتطلعات المجتمع الحضرمي، الذي انبثق عن المشاورات الحضرميَّة التي احتضنتها الرياض عاصمة المملكة العربيَّة السعودية لمدة شهر خلال الفترة 20/5 – 20/6 بالتنسيق مع المحافظ مبخوت بن ماضي [10]، وهو ما اعتُبِر دخول واضح لقائدة التحالف بشكل علني في صراع النفوذ داخل المحافظة التي تعتبرها إمتداد لأمنها القومي، حيث جاء المجلس الوطني تلبية لحاجة الساحة الحضرميَّة الملحَّة لتوحيد الصف والجهود؛ للخروج برؤية واضحة، وحضي بتأييد واسع من جميع الأحزاب والقوى والمكونات السياسية والاجتماعية في داخل حضرموت باستثناء المجلس الانتقالي الجنوبي الذي اعتبره مهدِّدًا لمشروعه في استعادة الدولة الجنوبيَّة قبل عام 1990م.

فيما أتت الزيارة الأولى لرئيس مجلس القيادة الرئاسي د. رشاد العليمي لحضرموت بتاريخ 24 يونيو 2023م، والتي كان مقررًا لها قبل بضعة أشهر، لكن لظروف معيّنة تمَّ تأجيلها أكثر من مرَّة، ومعه وفد البرنامج السعودي لتنمية واعمار اليمن، وعدد من كبار الوزراء والمسؤولين في الدولة، الذي يؤكِّد حضورهم أهمية الزيارة لا سيما من حيث تنوع الأسماء بما يجعل من الوفد أكثر شموليَّة وتمثيلاً. وقد كان المأمول لدى البعض بعد أن صرَّح رئيس المجلس د. رشاد العليمي في اللِّقاء الموسَّع العام بقيادات السلطة المحليَّة، والقيادات الأمنية والعسكرية، والشخصيات الاجتماعية والاعتبارية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاع المراءة، والشباب بتاريخ 25 يونيو 2023م  “بأنَّ حضرموت ستدير نفسها إدارة كاملة ماليًّا وإداريًّا وأمنيًّا من قبل السلطة المحليَّة”[11]، وكان المفترض أن يعقب ذلك التصريح خطوات عملية تقوم السطلة المركزيَّة، والسلطة المحليَّة بتنفيذ هذا القرار على أرض الواقع، وجعل حضرموت نموذجًا لعدم تكريس المركزيَّة التي أدَّت بالوضع إلى مانحن عليه اليوم. لكن السلطة المحليَّة اتخذت نهجًا جديدًا في إدارتها لشؤون المحافظة بعد هذا التصريح، عكس ما رأته القوى والمكونات والأحزاب داخل حضرموت من تفرُّد بالقرارات والتعيينات، وتهميش وإقصاء الآخرين الذي انعكس سلبًا على علاقة السلطة المحليَّة بالأحزاب والمكونات والقوى الأخرى التي لم تتوقَّف عن مطالبتها المتكررة في العديد من الفعاليات والمناسبات للمحافظ بإيجاد شراكة تضمن مشاركة الجميع في إدارة شؤون المحافظة، وعدم إقصائها وتهميشها في التمثيل داخل مختلف أجهزة المحافظة. في هذا السياق اتخذ المحافظ بن ماضي قرار ايقاف توريد إيرادات المحافظة إلى البنك المركزي بعدن للإيفاء بالتزامات الخدمات تجاه المواطنين في نهاية نوفمبر من العام 2023م [12]، لكنه عدل عن القرار بعد أسبوعين فقط، وقد ربط بن ماضي عدوله عن القرار بتنفيذ الحكومة للمطالب التي تمَّ رفعها مسبقًا، والخاصة بمطالب حضرموت المشروعة الخاصة بحصة المحافظة وبعض المطالب الأخرى.

ومن ضمن التحرُّكات الشعبية جاء إعلان اللجنة التحضيرية للمجلس الموحد للمحافظات الشرقية في 9 يناير مطلع العام 2024م في مؤتمر عقد بمدينة سيئون بوادي حضرموت [13]؛ ليرفع السقف عاليًا مطالبًا  بإعلان إقليم حضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى  وفقًا لمخرجات الحوار الوطني الشامل 2013م، والشراكة العادلة لأبناء المحافظات الأربع في إدارة الدولة وتوزيع الثروة مع كافة القوى الوطنية الأخرى، وبذلك تزداد المطالبات للحكومة المركزيَّة متمثلة بمجلس القيادة الرئاسي، والسلطة المحليَّة بالمحافظة بالمشاركة في الإدارة، والعدالة في التمثيل، والشفافية بالكشف عن إيرادات المحافظة وأوجه انفاقها، وفي ظل تباطؤ تنفيذ تلك المطالبات من قبل السلطة المحليَّة، وعودة الشرعيَّة وجماعة الحوثي لمسار التفاوض عبر جولة مسقط في نهاية شهر يونيو وبداية شهر يوليو 2024م، والحديث عن العودة لخارطة الطريق، والتهيئة للتوقيع عليها من قبل الأطراف المعنيَّة، والوصول لاتفاق على عدَّة تدابير؛ لخفض التصعيد فيما يتعلَّق بالجانب الاقتصادي بين الحكومة الشرعيَّة وجماعة الحوثي في نهاية يوليو كما ذكرنا سابقًا في هذه الورقة، فقد رأى الحضارم أنَّ الحديث كان حول ثرواتهم النفطية، والمساومة عليها بين تلك الأطراف دون أن تكون لحضرموت أي كلمة معتبرة، أو حصة تتناسب مع احتياجات المحافظة التي تزداد يوم بعد يوم لأسباب عديدة، كل ذلك أثار أبناء المحافظة بمختلف توجهاتهم وتراءى لهم عودة سيناريو نهب ثرواتهم ومقدراتهم من قبل الأنظمة السابقة، مما دفع بهم للتداعي بينهم البين للوقوف ضد سيناريو النهب، لكن هذه المرة بشكل مفاجئ ومنفرد أصدر مؤتمر حضرموت الجامع بيان عن الاجتماع الاستثنائي الهام لقيادات الأطر التنظيمية بتاريخ 13 يونيو 2024م [14] والذي أكَّد كل المطالب السابقة لكلِّ الأحزاب والقوى والمكونات بالإضافة لما جاء في بنده (7) “إمهال قيادة السلطة المحليَّة مدة (30) يومًا لتنفيذ ما ذكر باعلاه، وعلى مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اتخاذ ما يلزم لتصحيح الأوضاع المختلة، ما لم سيعلن أبناء حضرموت إجراءات مؤلمة تبدأ ولا تنتهي إلا برفع الظلم عن أبناء حضرموت، ويفرضون فيها حقهم على أرضهم وثرواتهم” وهو تصعيد زاد من حالة الاحتقان بين السلطة المركزيَّة والمحليَّة، والجامع الحضرمي على وجه الخصوص. ممَّا عجَّل بالزيارة الثَّانية لرئيس مجلس القيادة الرئاسي ومعه عضوا المجلس الدكتور عبدالله العليمي، والشيخ عثمان مجلي الى مدينة المكلا عاصمة حضرموت بتاريخ 27 يوليو 2024م [15] ، والتي رفضها الجامع الحضرمي في بيان نشره قبل موعد وصول رئيس المجلس بيوم واحد بتاريخ 26 يوليو 2024م [16]، ونشر الجامع الحضرمي بلاغًا صحفيًّا بشأن أداء محافظ محافظة حضرموت الأستاذ مبخوت مبارك بن ماضي في 30 يوليو [17]، فيما صعد عمرو بن حبريش العليي رئيس حلف قبائل حضرموت ووكيل أوَّل للمحافظة بشكل مفاجئ،  كما جاء في البيان الصادر عن اللقاء الاستثنائي لقيادات ورموز حلف قبائل حضرموت المنعقد في هضبة حضرموت منطقة العليب مكان المخيم الذي أنشأه رئيس الحلف بعد مغادرته مدينة المكلا بتاريخ  31 يوليو 2024م [18] بعد التأكيد على النقاط التي ذكرت في بيان الجامع بتاريخ 13 يوليو منتصف الشهر نفسه، جاء في البند (5) من البيان “في حالة عدم الاستجابة لما ذكر خلال مدة 48 ساعة ، سنضع أيدينا على الأرض و الثروة” وهو ما زاد الموقف صعوبة واحتقانًا أكثر مما سبق، على الرغم من تحفّظ بقية القوى والمكونات على ما جاء في البند (2) باعتبار أنَّ بيان الحلف الذي يُعَدُّ الجناح العسكري لمؤتمر حضرموت الجامع حاول القفز على التوافق الذي كان بينه وبين بقية المكونات والقوى بمحاولة فرض مؤتمر حضرموت الجامع كممثل وحيد لحقوق ومطالب حضرموت وإقصاء البقية، فقد حضي هذا البيان بتأييد قوى كثيرة، وقد توافدوا لمكان مخيم الحلف؛ لمَّا رأوا أنَّه يصب في الصالح العام لأبناء المحافظة. وانتهت المهلة القصيرة التي حدَّدها الحلف ب(48) ساعة، ولم تستجب الحكومة المركزيَّة، والسلطة المحليَّة للمطالب؛ مما دفع بالحلف لنشر نقاط عسكرية حول مناطق الشركات العاملة في استخراج النفط في خطوة لمنع خروج أي شحنات خارج المحافظة، وأكدوا على أن هناك تصعيدًا لاحقًا، وهو ما زال في حالة استمرار. وقد ختم الرئيس د. رشاد العليمي زيارته لحضرموت، وبقيت التكهنات حول ماهي دوافع الزيارة، وما المألات التي ستؤول إليها الأحداث في المستقبل؟

 

دوافع الزيارة:

من خلال تحليل سياق الزيارة وتوقيتها، وخطابات الرئيس ونوابه ضمن اللقاءات التي عقدها، وزياراته الميدانية يمكن استخلاص دوافع الزيارة:

  • إثبات حضور المجلس الرئاسي ودعم السلطة المحليَّة.

كان واضح من خلال توقيت الزيارة خاصةً في ظل تزايد السخط الشعبي تجاه المجلس الرئاسي بعد تراجعه عن القرارات التي أصدرها البنك المركزي بعدن في معركته ضد جماعة الحوثي؛ لكبح جماحها في الملف الاقتصادي، ومحاولة فصل الجانب الاقتصادي إلى اثنين، والعبث به في اتخاذها سلسلة من الإجراءات خلفت الكثير من الأضرار باقتصاد البلد، وتضييق الخناق على الحكومة الشرعيَّة باستهداف مصادر الإيرادات على مستويات عدة في فترات زمنية سابقة دون أي ردَّات فعل تذكر من جانب الحكومة ومجلس الرئاسة، حتى جاءت قرارات البنك المركزي الأخيرة؛ لإيقاف العبث الحوثي، والوقوف ضده بحزمة من القرارات المتلاحقة التي أظهرت نتائج إيجابية جعلت من الحوثي يعود لمربع التهديدات للحكومة، ولقيادة التحالف العربي؛ للضغط باتجاه إيقاف التصعيد، وهو ما كان بإعلان مكتب المبعوث الأممي لهذا الاتفاق، ممَّا هزَّ شرعية مجلس القيادة الرئاسي في أوساط الشعب اليمني، فكان لابد من تحرُّك لرئيس المجلس ونوابه؛ ليثبت حضوره وحظوظه مجدَّدًا، وأنه لا يزال موجودًا، ولم يخرج من اللعبة بشكل كامل. وفيما يخص السلطة المحليَّة كان رئيس المجلس القيادة الرئاسي يسابق الزمن؛ لإنقاذ المحافظ وسلطته من الاحتقان المتزايد ضدَّه يومًا بعد يوم، وإيجاد مخرج لهذه المعضلة، وحلحلت التباينات؛ حتى لا تكبر في وجه السلطة المحليَّة المدعومة بشكل خاص من رئيس مجلس القيادة -الذي اقتصر حضوره على الزيارات، واللقاءات الرسمية والحكومية التي نسقتها السلطة المحليَّة- مستقبلاً لعدم نجاح بن ماضي في خلق توافق واستقرار وتنمية حقيقة في المحافظة، بل ذهب بعيدًا بتفرده بالقرارات والتعيينات التي استاءت منها القوى في حضرموت، عكس د. عبدالله العليمي الذي لم يظهر دعمه للسلطة المحلية ودلالات ذلك كلمته التي اعتبرت بمثابة العتاب وعدم الرضى عن سياسة سلطة المحافظ في كلمته أمام المكتب التنفيذي للمحافظة [19]، ومن خلال الزيارات لبعض الشخصيات والرموز خارج السلطة وبعض القوى الأخرى بنفس توقيت لقاءات وزيارات رئيس المجلس، واتخاذ موقف الحياد من الصراع الداخلي بين قيادة السلطة المحليَّة، وقيادة مؤتمر حضرموت الجامع، وحلف قبائل حضرموت.

 

  • الترتيب لإعادة تصدير النفط المتوقف:

كان جليًّا للمراقب للمشهد اليمني في الأشهر القليلة الماضية التي تصاعد فيه استخدام الأدوات الاقتصادية في الحرب بين الشرعيَّة اليمنية، وجماعة الحوثي بعد فشلهما في الحسم العسكري، وتفاقم الأزمة الإنسانية نتيجة إطالة أمد الحرب، وتسارع وتيرة الحديث عن الإيرادات والموارد، وإمكانية أن تلعب دورًا هامًّا في إيجاد تقارب وتفاهم بين الأطراف المتنازعة وإعادة الحياة للشعب اليمني الذي انهكته الأوضاع المعيشية الصعبة، لكن للأسف سربت بعض المصادر عن تقديم نفظ حضرموت على طاولة المفاوضات في الغرف المغلقة، والمطالبات التي قدمت في هذا الشأن من بعض الأطراف كحل للتغلب على التحديات، والمصاعب التي تواجهها في إيجاد مصادر لرفد الميزانية، مع ما تعيشه المحافظة من توقف عجلة التنمية وتعطيل الاستفادة من موارها.

 

  • صراع النفوذ:

هناك صراع نفوذ يجري بين قطبي قيادة التحالف العربي لدعم الشرعيَّة، ولم يعد هذا الصراع خفيًّا على أحد، لكن في الفترة الأخيرة تزايدت وتيرة هذا الصراع وتنوَّعت الأساليب والأدوات المستخدمة لحسمه، وحضرموت لم تكن مستثناة من كل ذلك، فكان توقيت الزيارة الأولى شكَّل حالة واضحة في ذلك الصراع حينما تزامن مع انعقاد الجمعية الوطنية الجنوبيَّة، واستضافة المعارضين لها في من قبل الرياض ووصولاً لإعلان مجلس حضرموت الوطني وختامًا بزيارة العليمي لحضرموت بمرافقة شخصيات حضرمية على مستوىً عالٍ حاليين وسابقين، ووفد البرنامـج السـعودي لتنميـة وإعمـار اليمن حيث ختمت الزيارة بوضـع حجر الأسـاس للعديد من المشاريع التنموية والحيوية وتدشينها (20) مشروعـًا، بـأكثر من (266.6) مـليون دولار (1.2)  مليـار ريال سـعودي، وكان هناك وجه آخر لذلك الصراع باستخدام أدوات عسكرية، لعلَّ من أبرزها إعلان تشكيل ألوية درع الوطن تحت قيادة رشاد العليمي بدعم من المملكة العربيَّة؛ لتكون موازية للأجهزة الأمنية، والقوات الجنوبيَّة وغيرها التي شكلتها الإمارات؛ لتساعدها في صراع النفوذ الذي انتبهت له مبكرًا وأعدَّت له العدَّة مسبقًا، وأمَّا بخصوص نصيب حضرموت من ذلك الصراع الخشن فهو تقسيمها لساحلٍ تحت سيطرة الأمارات، ووادٍ تحت سيطرة السعودية، وبقي الحال كما هو حتى بدأت التخوّفات من الطرفين من امتداد الطرف الآخر لمناطق تواجده فتحرَّك هذا الملف بشكل أسرع، فدخول لواء بارشيد المتمركز في مدينة المكلا بعد تحريرها من العناصر الإرهابية لتنظيم القاعدة من قبل النخبة الحضرميَّة، وتزايد أفراده على حساب إضعاف النخبة على فترات زمنية بدخولهم تارة على شكل أرتال عسكرية، وتارة على شكل عناصر مدنية، واتخاذ مطار الريان، وميناء الضبة كمراكز عمليات، وإقامة للضباط والأفراد الإماراتيين لإدارة الملف العسكري والأمني بساحل حضرموت، وإحكام السيطرة التامة عليه. وهو ما استدعاء تحرك المملكة في هذا الملف كما أسلفنا سابقًا بتشكيل ألوية درع الوطن وتدريب أعدادٍ كبيرةٍ من أبناء المحافظة ضمنها في منطقة العبر الحدودية للملكة العربيَّة، ومحاولة إعادة انتشارها في حضرموت؛ لإدارة الملف العسكري، لكن ذلك انصدم برفض إماراتي حاد، وحادثة رفض دخول هذه القوات لمناطق ساحل حضرموت في بداية العام الحالي 2024م [20] دليل واضح مع أن التوجيهات جات للسماح لها بالمرور والتمركز بناءً على برقية من رئيس اللجنة الأمنية المحافظ مبخوت بن ماضي. ولم تكن الزيارة الثَّانية لرشاد العليمي تخلوا من دلالات ذلك الصراع عندما تكرَّر غياب ابن حضرموت اللواء الركن فرج البحسني وهو عضو المجلس الرئاسي، ونائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عن هذه الزيارة، وحضور عضوا المجلس الرئاسي د. عبدالله العليمي وعثمان مجلي القريبين من المملكة أكثر منه للإمارات.

 

مآلات الزيارة:

أفرزت هذه الزيارة الكثير من التباينات على المستوى المحليَّ والمركزي ولازالت مستمرة، فمن خلال تتبعنا لتلك التباينات يمكننا قراءة مآلات الزيارة.

  • استمرار الاحتقان واحتمالية الاشتباك المسلح:

قد تذهب الأمور إلى الصدام المسلح المحدود، وقد يتطور لاشتباكات واسعة بين أفراد الحلف المتجمعة في الهضبة -التي تغيب عنه الكثير من الرموز والمرجعيات القبلية المؤسسة لحلف قبائل حضرموت هذه المرة- والمجاميع القبلية المنضمَّة دعمًا لخطوات الحلف بشكل يومي ، وأفراد التشكيلات العسكرية المتواجدة في نفس النطاق الجغرافي، ومما يدعم هذا الشيء هو تزايد حالة الاحتقان بعد انتهاء المهلة المحددة وانتشار نقاط أمنية للحلف في بعض المواقع خاصة حول حقول انتاج النفط في تصعيد يشير إلى عدم تراجع الحلف عن الخطوات التي اتخذها، ويرى أن التراجع عنها سيتسبب بالكثير من الخسائر له على مستوى التأييد الشعبي، وفقدان ثقله المجتمعي في المحافظة، وتوجيه الحلف الدعوة للأحزاب والقوى للمشاركة في برنامجه التصعيدي لأوَّل مرة؛ لخطب ودها ومحاولات التحشيد في صفه. وبنفس التوقيت لازالت هناك وساطات قبلية مستمرة مستقلة أو مدعومة من أطراف فاعلة في الملف اليمني؛ لتقريب وجهات النظر، والخروج بحلول ترضي الأطراف، ونزع فتيل الأزمة بينهم. وفي المقابل لا يمكن استبعاد وجود مجموعات أو شخصيات تدفع بتلك الأطراف نحو الصدام المسلح خدمة لمصالحها حالة التوصل لتوافق لإنهاء ذلك الاحتقان.

 

  • حلحلة بعض التباينات:

من الممكن المساهمة في حلحلة هذه التباينات بتبني السلطة المركزيَّة والمحليَّة حقبة من المشاريع ذات الأولوية، كالكهرباء وبعض الجوانب الخدمية الأخرى، والبدء فيها بشكل سريع كبادرة؛ لبناء الثقة لدى أبناء المحافظة، حتى تستطيع تفكيك الأزمة شيئًا فشيئًا، كإعلان رئيس المجلس عن إنشاء محطتين للطاقة الكهربائية في محافظة حضرموت بقدرة 100 ميجاوات [21]، وطمأنة الحضارم بإصدار بعض القرارات الأخرى؛ لتمكين المحافظة لإدارة شؤونها بشكل عاجل، وعدم التسويف في تحقيق الوعود السابقة والحالية، وعدم الانحياز للسلطة رغم تقديمها نموذج سيِّء في إدارة المحافظة ومواردها سابقًا، وفشلها بشكل ملاحظ والتحجج بتوقف حصة 20% من مبيعات النفط على الرغم من وجود موارد أخرى في المحافظة أكثر بكثير من حصة النفط، والفساد الذي يحيط بملف الموارد في عدم الشفافية في كشف حجمها وطرق التصرف بها. فقد تكون خطوة تغيير إدارة المحافظة بكفاءات تمثل الجميع ومتوافق عليها خطوة مساهمة في حلحلة تلك التباينات، خاصة أنها متهمة بالغرق في الفسادـ وقلة خبرتها وكفاءتها في الإدارة، وممَّا يدعم ذلك كلمة عضوا مجلس القيادة د. عبدالله العليمي في الاجتماع مع المكتب التنفيذي للمحافظة [22] التي اعتبرت توبيخًا واضحًا لنهج السلطة المحليَّة حينما قال “السلطة المحليَّة لا ينبغي أن  تخضع للسياسية ولا الاستقطاب ولا المحاصصة، بل مهمتها أن ترعى مصالح أبناء المحافظة جميعًا من كل الأحزاب، وينبغي أن ينتسي هذا الأمر، ولا يمكن قبول أي نوع من الإقصاء السياسي أو ممارسته على أحد بناءً على توجهه السياسي سوى من المحافظ أو مدير عام”، إضافةً لذلك استضافة المملكة لهيئة رئاسة مجلس حضرموت الوطني والتي من الممكن أن يشارك المجلس الوطني ضمن ترتيبات معينة في إدارة المحافظة او الإشراف على أداء السلطة التنفيذية للمحافظة ومراقبتها.

 

  • ضياع جهود التصعيد:

في حالة عدم توافق القوى والمكونات المعارضة لسياسة الحكومة المركزيَّة والمحليَّة في تنظيم صفوفها بسرعة وتدارس المستجدات واقتراح حلول لها، واستخدام أساليب مختلفة في انتزاع حقوقها التي تطالب بها، أو تسلق بعض الشخصيات على ذلك التصعيد للحصول على مكاسب شخصية دون اعتبار لمخاطر هذا التسلق على المدى القريب والبعيد لحقوق أبناء المحافظة، أو استمرار حالة التفرد التي يقودها مؤتمر حضرموت الجامع، وحلف قبائل حضرموت وقياداته لما لها من آثار سلبية على تماسك القوى والمكونات ضد كل من يحاول العبث بموارد حضرموت وثرواتها، وتهميش دورها، وإقصاء أبنائها في المستقبل، خاصةً أن الحكومة المركزيَّة والمحليَّة تلعب على عامل الوقت الذي هو في صالحها كل ما طال الأمد، بعكس القوى الأخرى التي يمكن أن يتسلَّل إليهم الملل واليأس مع مرور الوقت، ويفقدوا الثقة في القيادة، وفي جدوى استمرارهم في التصعيد، وتكرار فشل تلك المحاولات مرات كثيرة، ومما يدعم ذلك دعوة المحافظ مبخوت بن ماضي للقاءٍ موسّع لشرائح ومكونات حضرموت يدعو إلى جمع الكلمة، وتوحيد الصف لنيل حقوق حضرموت [23] لخطب ودَّها والاصطفاف حوله في ظل استمرار تصعيد الحلف.

 

المراجع :

[1] بيان صادر عن مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن | OSESGY (unmissions.org)

[2] نص البيان الختامي عن المشاورات اليمنية – اليمنية في الرياض – المشاورات اليمنية في الرياض (yegc.org)

[3] (20+) حضرموت تشارك في مشاورات الرياض نشر في 21… – وكالة أنباء حضرموت | Facebook

[4] تعيين مبخوت بن مبارك يسلم بن ماضي محافظا لمحافظة حضرموت   (sabanew.net)

[5] الحوثيون يعلنون عن “ضربة تحذيرية” لسفينة نفطية في ميناء الضبة.. والإرياني: هجوم إرهابي – CNN Arabic

[6] محافظ حضرموت يصدر قرارًا بتشكيل لجنة لتوحيد وجهات نظر المكونات والقوى للخروج برؤية موحدة بشأن مطالب وحقوق حضرموت – صحيفة صوت حضرموت (hdrvoice.com)

[7] https://x.com/saleh_binamrat/status/1718621016270782844

[8] اليمن: عضو بالرئاسي اليمني يعلن رسميا انضمامه “للانتقالي الجنوبي” – يمن فيوتشر (yemenfuture.net)

[9] البيان الختامي والقرارات والتوصيات الصادرة عن الدورة السادسة للجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي المنعقدة في محافظة حضرموت (stcaden.com)

[10] (20+) قناة حضرموت – – في ختام المشاورات الحضرمية بالرياض – اشهار “مجلس… | Facebook

[11] 25 6 2023 كلمة فخامة رئيس مجلس القيادة في حضرموت – YouTube

[12] (20+) بيان صادر عن السلطة المحلية بحضرموت… – السلطة المحلية – حضرموت | Facebook

[13] (20+) الإعلان عن اللجنة التحضيرية… – المجلس الموحد للمحافظات الشرقية | Facebook

[14] (20+) نص البيان… – مؤتمر حضرموت الجامع Inclusive Hadhramout Conference | Facebook

[15] رئيس مجلس القيادة الرئاسي وعضوا المجلس عبدالله العليمي وعثمان مجلي يصلون المكلا (sabanew.net)

[16] (20+) مؤتمر حضرموت الجامع Inclusive Hadhramout Conference | Facebook

[17] (20+) بلاغ صحفي… – مؤتمر حضرموت الجامع Inclusive Hadhramout Conference | Facebook

[18] (20+) البيان الصادر عن اللقاء الاستثنائي لقيادات… – حلف قبائل حضرموت | Facebook

[19] كلمة عضو مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي خلال الاجتماع بقيادة السلطة المحلية في حضرموت (youtube.com)

[20] بعد منع “درع الوطن” من دخول المكلا.. مسؤول في التحالف يصل حضرموت ويلتقي المحافظ بن ماضي – المصدر أونلاين (almasdaronline.com)

[21] العليمي يعلن بدء اجراءات انشاء محطتين للطاقة الكهربائية في حضرموت بقدرة 100 ميجاوات (hadramouttoday.com)

[22] كلمة عضو مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي خلال الاجتماع بقيادة السلطة المحلية في حضرموت – YouTube

[23] (2) لقاءٌ موسّع لشرائح ومكونات حضرموت يدعو… – السلطة المحلية – حضرموت | Facebook