التدخُّلات الإنسانيَّة في المحافظات الشرقيَّة 

( المهرة – شبوة – حضرموت )

مركز مداد حضرموت

الملخَّص التنفيذي:

تسلط هذه الورقة الضوء على واقع التدخُّلات الإنسانيَّة في المحافظات الشرقيَّة لليمن (المهرة، وشبوة، وحضرموت) خلال الفترة من 2020 إلى 2025م، مستندة إلى تحليل ميداني، ومكتبي باستخدام أدوات كميَّة ونوعيَّة. ورغم الاستقرار النسبي في بعض هذه المحافظات، إلا أن الدراسة كشفت عن فجوات واضحة في التمويل، والتنسيق، والعدالة الجغرافية، واستدامة المشاريع.

بيّنت النتائج أن حجم التدخُّلات كان محدودًا وغير متوازن، يتركز في قطاعات الإغاثة قصيرة الأمد، بينما تم تهميش قطاعات التعليم، والصحة، والمياه، خاصة في المناطق الريفية والنائية. كما أظهر التحليل أن العوامل السياسية، والتصنيف الأمني لعبت دورًا سلبيًّا في تعطيل وصول الدعم، خصوصًا في محافظة شبوة.

ركّزت الدراسة على الفئات المهمشة، مثل النساء، والنازحين، والمهاجرين الأفارقة، وسكان المناطق النائية، الذين غالبًا ما يتم استثناؤهم من الخطط الإنسانيَّة بسبب ضعف البيانات أو آليات الاستهداف غير الشفَّافة.

وشملت أدوات الدراسة: استبيانات مجتمعية، ومقابلات معمقة مع فاعلين محليين، ومراجعة للتقارير الدولية. وأجري تحليل مقارن بين المحافظات الثلاث؛ لرصد الفروقات والتقاطعات في واقع الاستجابة.

توصي الورقة بتبني استجابة متكاملة قائمة على الشراكة مع المجتمعات المحلية، وتحديث قواعد البيانات، وتأسيس وحدات تنسيق دائمة، إلى جانب مراجعة التصنيف الأمني لمحافظة شبوة، وتوجيه التمويل نحو مشاريع تنموية مستدامة لا تقتصر على الإغاثة.

تمثل هذه الورقة دعوة؛ لإعادة النظر في آليات الاستجابة الإنسانيَّة في المناطق الأقل أولوية ضمن الخطط الدولية، بما يضمن عدالة التوزيع واستمرارية الأثر.

1  المقدّمــــــــــــة:

تُعدّ الأزمة الإنسانيَّة في اليمن واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا في العالم؛ إذْ يعاني ملايين السكان من انعدام الأمن الغذائي، وتدهور الخدمات الأساسية، وتقييد فرص الوصول إلى الرعاية الصحية، والتعليم، والمياه الآمنة. ورغم أن أنظار المجتمع الدولي غالبا ما تتجه نحو مناطق النزاع المباشر في شمال وغرب البلاد، إلا أن المحافظات الشرقيَّة – وتحديدًا المهرة، وشبوة، وحضرموت – تظل على هامش خارطة التدخُّلات الإنسانيَّة الفاعلة، بالرغم من التحديات الهيكلية والبيئية والاجتماعية العميقة التي تواجهها.

تبرز أهمية هذه المحافظات من حيث موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وتنوّعها البيئي والثقافي، ومواردها الطبيعية، إلا أن هذه الخصائص لم تُترجم إلى استجابة إنسانية عادلة، أو برامج إنمائية مستدامة. بل إن غياب التنسيق المؤسسي، والتصنيف الأمني غير الموضوعي، وضعف التمويل المخصّص، أسهمت جميعها في تفاقم الفجوة بين الاحتياج الفعلي، والمشاريع المنفذة.

تعكس هذه الورقة البحثيَّة جهدًا تحليليًّا يهدف إلى رصد واقع التدخُّلات الإنسانيَّة في المحافظات الشرقيَّة لليمن خلال الفترة الممتدة من 2020 إلى 2025م، من خلال تحليل ميداني، ومكتبي يستند إلى أدوات كميَّة ونوعيَّة، ويربط بين بيانات الميدان والتقارير الدولية. وتسعى الورقة إلى كشف فجوات الأداء، وتسليط الضوء على الفئات المهمشة، والخروج بتوصيات عملية تستهدف إعادة توجيه الأولويات، وتمكين المجتمعات المحلية من لعب دور فاعل في تخطيط، وتنفيذ، ومتابعة الاستجابة الإنسانيَّة.

 2 مشكلة البحث:

رغم أهمية المحافظات الشرقيَّة في اليمن من الناحيتين الجغرافية والاقتصادية، إلا أنها تعاني من تهميش مزمن في الاستجابة الإنسانيَّة، يظهر جليا في محدودية التدخُّلات، وضعف التنسيق، وتكرار استهداف نفس المناطق دون مراجعة محدثة للاحتياجات الفعلية. فخلال الفترة من 2020 إلى 2025م، ظلّت محافظات المهرة، وشبوة، وحضرموت خارج نطاق الأولويات الفعلية لخطة الاستجابة الإنسانيَّة، مما أدى إلى فجوة متزايدة بين الاحتياج والاستجابة.

وقد تفاقمت المشكلة نتيجة عوامل متداخلة، منها التصنيف الأمني لبعض المحافظات بوصفها “غير آمنة”، وضعف التمويل المرن، وغياب غرف تنسيق فاعلة، وانسحاب بعض المنظمات الدولية، بالإضافة إلى قلة البيانات الدقيقة التي تعكس الواقع المحلي. كما ساهمت النزاعات، والكوارث الطبيعية، والنزوح الداخلي في تعقيد المشهد، وظهور فئات مهددة بالتهميش الكامل، مثل النساء، والمهاجرين الأفارقة، وسكان المناطق النائية.

من هنا تنبع إشكالية هذا البحث في محاولة الإجابة عن سؤال محوري:

ما مدى كفاءة وعدالة وفاعلية التدخُّلات الإنسانيَّة في المحافظات الشرقيَّة اليمنيَّة خلال الفترة 2020–2025م، وما أبرز الفجوات التي تعيق تحقيق استجابة إنسانية مستدامة وشاملة؟

3 أسئلة البحث:

ما مدى كفاءة وعدالة وفاعلية التدخُّلات الإنسانيَّة في محافظات المهرة، وشبوة، وحضرموت خلال الفترة 2020–2025م، وما أبرز الفجوات التي تعيق تحقيق استجابة إنسانية متوازنة في هذه المحافظات؟

الأسئلة الفرعية:

  1. ما طبيعة وحجم التدخُّلات الإنسانيَّة المنفذة في المحافظات الشرقيَّة خلال الفترة المدروسة؟
  2. ما أبرز التحديات الميدانية، والإدارية التي تعيق العمل الإنساني في كل من المهرة، وشبوة، وحضرموت؟
  3. ما الفئات السكانية التي تعاني من ضعف في الاستهداف، أو التهميش ضمن تدخلات المنظمات؟
  4. إلى أي مدى تنسجم التدخُّلات الحالية مع أولويات المجتمعات المحلية في كل محافظة؟
  5. ما الفجوات الأساسية (التمويل، التنسيق، البيانات، الاستدامة) التي تعرقل فعالية الاستجابة؟
  6. ما المقترحات الممكنة لتعزيز العدالة الجغرافية، والاجتماعية في توزيع التدخُّلات، وتحقيق أثر مستدام؟

 4 أهمية البحث:

تنبع أهمية هذا البحث من كونه يسدّ فجوة معرفية، وعملية في تقييم فعالية التدخُّلات الإنسانيَّة في المحافظات الشرقيَّة اليمنيَّة، وهي مناطق غالبا ما يتم تهميشها في دراسات وتقارير الاستجابة، رغم ما تواجهه من تحديات هيكلية ومناخية، واحتياج متصاعد.

أولًا – الأهمية العلمية والمعرفية:

  • يقدم البحث تحليلاً دقيقًا لمناطق لم تنل نصيبها الكافي من الدراسة، رغم ثقلها الجغرافي والديموغرافي.
  • يدمج بين أدوات البحث الكمي والنوعي، ويربط الميدان بالسياسات، مما يعزز القيمة الأكاديمية للنتائج.
  • يُعد نموذجًا لتحليل فجوات الاستجابة في مناطق “منسية” نسبيًّا خارج دوائر النزاع المباشر.

ثانيًا – الأهمية العملية والتطبيقية:

  • يوفّر معلومات موثوقة وقابلة للبناء عليها لصنّاع القرار، والجهات المانحة، والمنظمات الإنسانيَّة.
  • يساعد في إعادة توجيه الجهود نحو توزيع عادل، ومنصف للموارد الإنسانيَّة.
  • يساهم في بلورة توصيات قابلة للتطبيق تُعزز من العدالة الاجتماعية، وتزيد من فاعلية الاستجابة في بيئات هشة ومعقّدة.

ثالثًا – الأهمية المجتمعية:

  • يُبرز صوت المجتمعات المحلية في محافظات تعاني من الإقصاء، ويفتح المجال لإشراكها في عمليات التخطيط والمساءلة.
  • يسهم في تسليط الضوء على الفئات الأكثر تهميشا (كالنساء، والمهمشين، والنازحين، والمهاجرين)، ويقترح آليات لضمان عدم إقصائهم من خطط الدعم.

  5 تعريف المصطلحات:

لضمان وضوح المفاهيم الواردة في هذه الورقة، يتم في هذا القسم تعريف المصطلحات الأساسية التي تشكل الإطار النظري والتحليلي للبحث، بما يتماشى مع السياق اليمني وخصوصية المحافظات الشرقيَّة.

5.1 التدخُّلات الإنسانيَّة:

يقصد بها جميع الأنشطة والخدمات التي تقدمها المنظمات الإنسانيَّة، المحلية والدولية، بهدف التخفيف من معاناة السكان، وتلبية احتياجاتهم الأساسية في مجالات الغذاء، والمياه، والصحة، والتعليم، والحماية، والمأوى، سواء بشكل مباشر أو عبر الشركاء المحليين، وذلك في سياقات النزاع، والكوارث، أو الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية.

5.2 المحافظات الشرقيَّة:

تشير في هذا البحث إلى محافظات المهرة، وشبوة، وحضرموت، الواقعة في جنوب وشرق اليمن، والتي تتميز بامتداد جغرافي واسع، وتنوع بيئي وسكاني، وموارد طبيعية كبيرة، لكنها تعاني من التهميش الإداري، وضعف الاستجابة الإنسانيَّة مقارنة بمحافظات النزاع المباشر.

 5.3 فجوة الاستجابة:

تعني الفرق أو التباين بين مستوى الاحتياج الفعلي للسكان في منطقة معينة، وبين ما يتم تقديمه فعليًّا من تدخلات إنسانية على الأرض. وقد تكون هذه الفجوة كميَّة (نقص التغطية)، أو نوعيَّة (ضعف الملاءمة والجودة)، أو تنظيمية (ضعف التنسيق والتخطيط)، أو زمانية (تأخر في الاستجابة).

  5.4 الفئات المهمشة:

تشمل الأفراد أو المجموعات التي يتم استثناؤها، أو إقصاؤها كليًا، أو جزئيًا من التدخُّلات الإنسانيَّة؛ إما بسبب موقعهم الجغرافي، أو وضعهم القانوني، أو طبيعة النظام الاجتماعي، أو محدودية البيانات المتوفرة عنهم. ومن أبرز هذه الفئات: المهمشون، والنساء، والنازحون داخليًّا، والمهاجرون الأفارقة، وسكان المناطق النائية.

 5.5 التمويل الإنساني المرن:

يشير إلى التمويل الذي يُمنح دون شروط صارمة ومحددة سلفًا؛ إذْ يُمكن تعديله، أو توجيهه بسرعة وفقًا للمتغيرات الميدانية، ويُعدّ عنصرًا أساسيًّا؛ لضمان فعالية الاستجابة الإنسانيَّة في البيئات المعقدة، وغير المستقرة.

 6 منهجية البحث:

اعتمدت هذه الورقة البحثيَّة على منهجية علمية متعددة الأدوات، تمزج بين التحليل الكمي والنوعي، بهدف إنتاج فهم شامل ودقيق لواقع التدخُّلات الإنسانيَّة في المحافظات الشرقيَّة اليمنيَّة خلال الفترة من 2020 إلى 2025م. وقد شملت المنهجية مراحل متكاملة؛ لتجميع وتحليل البيانات، مع توظيف مصادر أولية وثانوية موثوقة.

6.1  نوع المنهج المستخدم:

استخدم البحث المنهج الوصفي التحليلي، بالاعتماد على:

  • تحليل البيانات الميدانية المستخلصة من استبيانات، ومقابلات معمقة.
  • المراجعة المكتبية للتقارير الدولية الصادرة عن منظمات إنسانية، ومراكز بحثية.
  • التحليل المقارن لقياس الفجوات بين الاحتياج الفعلي، والاستجابة المقدمة.

 6,2 أدوات جمع البيانات:

اعتمد البحث على ثلاث أدوات رئيسة:

أولًا – الأدوات الكميَّة:

  • استبيانات مجتمعية وُزعت على سكان المديريات المختارة في كل محافظة:
  • المهرة: الغيضة، وشحن.
  • شبوة: الروضة.
  • حضرموت: سيئون، وتريم، والقطن، والمكلا، والشحر.

ثانيًا – الأدوات النوعيَّة:

  • مقابلات معمقة مع:
  • فاعلين محليين.
  • ناشطين مجتمعيين.
  • ممثلين عن منظمات محلية.
  • مسؤولين في السلطات المحلية.

ثالثًا – المصادر الثانوية:

  • مراجعة تحليلية لتقارير ودراسات من الجهات التالية:
  • مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيَّة .(OCHA)
  • منظمة اليونيسف .(UNICEF)
  • مركز صنعاء للدراسات.
  • مركز الملك سلمان للإغاثة.
  • تقارير خطة الاستجابة الإنسانيَّة (HRP).

 6,3 مجتمع وعينة الدراسة:

تمثلت عينة الدراسة في سكان المديريات المستهدفة، إضافة إلى فاعلين رئيسيين في العمل الإنساني. كما تم اختيار عينة قصدية من التقارير الدولية الصادرة خلال فترة الدراسة (2020–2025(م.

6.4 أساليب تحليل البيانات:

  • تحليل وصفي لمخرجات الاستبيانات والمقابلات.
  • ترميز نوعي لمضامين المقابلات؛ لاستخلاص الموضوعات المحورية.
  • تحليل فجوات عبر المقارنة بين بيانات الميدان، والتقارير الدولية.

7 حدود البحث:

لتحديد نطاق الدراسة، وضمان دقة النتائج تمَّ تحديد حدود البحث وفقًا للأبعاد التالية:

 7.1 الحدود الموضوعية:

يتركز هذا البحث على تحليل التدخُّلات الإنسانيَّة في ثلاثة مجالات رئيسة:

  • طبيعة وحجم التدخُّلات المنفذة في المحافظات الشرقيَّة.
  • الفجوات البنيوية في التنسيق، والتمويل، والبيانات، والاستدامة.
  • الفئات المهمشة التي لم تحظَ بتغطية مناسبة في الخطط التنفيذية.

ولا يتناول البحث تحليلًا ماليًّا تفصيليًّا للموازنات، أو تقييم الأثر طويل الأمد للمشاريع.

 7.2 الحدود الجغرافية:

يقتصر نطاق الدراسة على ثلاث محافظات في شرق اليمن، وهي:

  • محافظة المهرة.
  • محافظة شبوة.
  • محافظة حضرموت.

وقد تم اختيارها نظرًا لهشاشتها، وتهميشها في الاستجابة الإنسانيَّة مقارنة بالمحافظات المتأثرة بالنزاع المباشر.

 7.3 الحدود الزمانية:

يغطي هذا البحث الفترة الممتدَّة من يناير 2020م حتى نهاية ديسمبر 2025م، مع الأخذ في الاعتبار التغيرات المتسارعة التي ستطرأ خلال النصف الثاني من 2025م، والتي يجب تحديثها مستقبلاً.

وتم اختيار هذه الفترة كونها تشمل أعوامًا حرجة في تطور الاحتياجات الإنسانيَّة، بما في ذلك تداعيات جائحة كوفيد-19، تصاعد الكوارث الطبيعية، وتغيرات في خارطة تمويل العمل الإنساني.

 8 أدوات تحليل البيانات:

اعتمد البحث على أدوات تحليل نوعي وكمي متكاملة، بهدف ضمان استخلاص استنتاجات دقيقة، وواقعية تُعبّر عن التحديات الفعلية التي تواجه التدخُّلات الإنسانيَّة في المحافظات الشرقيَّة اليمنيَّة.

 8.1 تحليل البيانات الكميَّة:

  • تم ترميز نتائج الاستبيانات المجتمعية، وتصنيفها وفق:
  • المحافظة والمديرية.
  • قطاع (التعليم، والصحة، والمياه، والحماية، وسبل العيش .(
  • الأولويات المحلية كما حددها السكان.
  • استخدمت جداول تلخيصيه؛ لتحديد نسب التغطية، ودرجة الرضا، وحجم التفاوت بين المديريات.

 8.2 تحليل البيانات النوعيَّة:

تمت معالجة المقابلات المعمقة باستخدام تقنية التحليل الموضوعي؛ لاستخراج المحاور التالية:

  • طبيعة التدخُّلات المنفذة.
  • التحديات المؤسسية والميدانية.
  • التحيز في الاستهداف.
  • فجوة التمويل والتنسيق.

8.3 المراجعة المكتبية (الثانوية 🙁

  • أُجري تحليل مقارن للتقارير الدولية من حيث:
  • مستوى التوافق مع نتائج الميدان.
  • مدى دقة بيانات الاحتياج.
  • مستوى شمولية التخطيط.
  • تم توثيق التناقضات بين الرؤية المكتبية، والملاحظات الميدانية، مما كشف عن فجوات كبيرة في آليات تحديد الأولويات.

 8.4 التحليل المقارن للفجوات:

  • أُدرجت مصفوفة تحليلية بين المحافظات الثلاث (المهرة، وشبوة، وحضرموت) لبيان:
  • الفروقات في حجم الاستجابة.
  • أوجه التشابه في المعوقات البنيوية.
  • التفاوت في مستوى مشاركة المجتمع المحلي.
  • ساعد هذا التحليل في بلورة توصيات مخصصة وفق خصوصية كل محافظة.

9 محافظة المهرة: تحليل شامل للتدخلات الإنسانيَّة (2020–2025(م

9.1 الخلفية والسياق العام:

تقع محافظة المهرة في أقصى شرق اليمن، وتمتد على حدود سلطنة عمان، وتمتاز بتنوع جغرافي بيئي يتراوح بين السواحل، والجبال، والصحراء، ما يمنحها أهمية استراتيجية استثنائية، إلا أنها ظلت لعقود في هامش الاهتمام التنموي والإنساني. وبالرغم من أن المهرة لم تكن من أبرز ساحات النزاع المسلح مقارنة بمحافظات أخرى، فإنها تعاني من تهميش مزدوج: تنموي وهيكلي، وكذلك إنساني.

خلال السنوات من 2020 حتى 2025م، تفاقمت احتياجات السكان بسبب عدة عوامل، أبرزها:

  • تكرار الكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير والسيول (أبرزها إعصار تيج 2023م(.
  • النزوح الداخلي إلى مناطق آمنة في المهرة من محافظات أخرى.
  • هشاشة البنية التحتية، وغياب الخدمات الأساسية في العديد من المديريات الريفية.
  • ضعف حضور المنظمات الإنسانيَّة نتيجة البُعد الجغرافي، وصعوبات التنسيق، وعدم اعتبار المهرة أولوية في خطط الاستجابة الوطنية.

 9.2 المنهجية المستخدمة:

استند هذا التحليل إلى ثلاثة مصادر رئيسة:

  • الأدوات الكميَّة: من خلال استبيانات مجتمعية شملت مديريات رئيسة، منها: الغيضة وشحن بهدف رصد آراء المواطنين حول واقع الخدمات والاحتياجات.
  • الأدوات النوعيَّة :مقابلات معمقة مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدني، والسلطات المحلية، والناشطين الميدانيين.
  • المصادر الثانوية: مراجعة لتقارير المنظمات الدولية، مثل OCHA، واليونيسف، ومركز صنعاء للدراسات، ومركز الملك سلمان للإغاثة، وغيرها.

 9.3 أبرز نتائج المسح الميداني والمقابلات:

أولًا – حجم وطبيعة التدخُّلات الإنسانيَّة:

  • التدخُّلات تُوصف بأنها محدودة أو شبه غائبة في عدة مديريات، خصوصًا الريفية منها.
  • القطاعات الأكثر استهدافًا كانت الغذاء والصحة، في حين بقيت قطاعات التعليم والمياه والحماية مهملة أو غائبة.
  • النازحون حصلوا على النصيب الأكبر من التدخُّلات، في مقابل إهمال المجتمعات المضيفة.

ثانيًا – القيود التي تواجه العمل الإنساني:

  • قيود لوجستية: وعورة الطرق في مديريات مثل وادي المسيلة تعيق الوصول.
  • ضعف التنسيق: غياب غرفة تنسيق إنساني دائمة على مستوى المحافظة.
  • تأخر التمويل أو صعوبة تفعيله بسبب ضعف قدرات الشركاء المحليين.
  • فجوة في البيانات: المسوحات غالبًا ما تُنفذ عبر فرق من خارج المحافظة لا تملك معرفة محلية دقيقة.
  • تسييس العمل الإنساني: بعض الجهات المحلية مرتبطة سياسيًّا، ما يؤثر على الحياد في التوزيع.

ثالثًا – الفئات المهمشة:

  • المهمشون أبناء المناطق الجبلية والبعيدة، والمهاجرون الأفارقة لا تصلهم معظم الخدمات.
  • الأسباب تتعلق بصعوبة الوصول، وغياب تخطيط مخصص، وعدم إدراجهم في كشوفات الدعم.

رابعًا – غياب الحوكمة المحلية الفاعلة:

  • ضعف في التنسيق بين السلطات المحلية، والمنظمات الدولية.
  • غياب أي مجلس إنساني مشترك، أو لجنة إغاثة تعمل بشكل مؤسسي.
  • تدخل بعض الجهات السياسية في اختيار المستفيدين، ما يضعف ثقة المجتمع بالمنظمات.

 9.4 نتائج تحليل التقارير الدولية الخاصة بالمهرة:

اعتمادا على تقارير OCHA، ومركز صنعاء، واليونيسف، ومركز الملك سلمان تبين التالي:

أولاً – التمويل:

  • لم تتجاوز نسبة تمويل خطة الاستجابة لليمن عام 2025م حاجز 10%  حتى منتصف العام؛ مما أثر على برامج التعليم والصحة والمياه في المهرة.
  • تدخلات مركز الملك سلمان اقتصرت على مساعدات نقدية طارئة محدودة.
  • مشروع صرف صحي في مدينة الغيضة توقف نتيجة غياب التنسيق المجتمعي؛ ما يشير إلى ضعف الإدارة المجتمعية للمشاريع.

ثانيًا – أثر الكوارث الطبيعية:

  • إعصار “تيج” في أكتوبر 2023م تسبب في نزوح أكثر من 10,000 شخص.
  • تضررت شبكة المياه، والكهرباء، والطرقات، مع غياب استجابة طارئة كافية.

ثالثًا – فجوة الاستجابة:

  • لا توجد مشاريع مستدامة في المهرة.
  • تخطيط المنظمات يعتمد على تقارير مكتبية دون إشراك المجتمع المحلي في تحديد الأولويات

9.5 التحليل المقارن: بيانات الميدان مقابل التقارير الدولية :

9.6 التوصيات الخاصة بمحافظة المهرة:

محافظة المهرة تمثِّل نموذجًا حيًّا لمحافظة “منسية إنسانيًّا” رغم أنها ليست ضمن مناطق الصراع المباشر. تعاني من ضعف تدخلات، ومن هشاشة البنية التحتية، ومن فجوة تمويل ضخمة، ومن تهميش متكرر في خطط الاستجابة، إلى جانب تأثير الكوارث الطبيعية.

التوصيات:

  1. تشكيل غرفة تنسيق إنساني دائم بإشراف السلطة المحلية، والمنظمات الدولية.
  2. تمويل مخصص ومرن للتدخلات الطارئة، خاصة في أعقاب الكوارث الطبيعية.
  3. تنويع التدخُّلات لتشمل قطاعات التعليم، والمياه، وفرص العيش المستدام بدلًا من الاقتصار على الإغاثة.
  4. توظيف فرق مسح محلية؛ لضمان عدالة الاستهداف، وجودة البيانات.
  5. إشراك المجتمع المدني المهري في التخطيط والتنفيذ والمراقبة؛ لمنع الإقصاء أو التسيس.

    10 محافظة شبوة: تحليل شامل للتدخلات الإنسانيَّة (2020–2025م(

 10.1 الخلفية والسياق العام:

تقع محافظة شبوة في جنوب شرق اليمن، وتُعدّ من المحافظات الغنية بالموارد الطبيعية كـ النفط والغاز، إلا أن هذه الثروات لم تنعكس على الواقع التنموي أو الإنساني للمحافظة. وتعاني شبوة من تحديات مركبة تتداخل فيها العوامل الأمنية، والسياسية، والاقتصادية؛ ما جعلها في تصنيفات العديد من الجهات الدولية “منطقة عالية المخاطر”، وهو ما انعكس سلبًا على حجم وتنوّع التدخُّلات الإنسانيَّة فيها خلال الفترة ما بين 2020 و2025م.

الطبيعة الجغرافية لشبوة التي تشمل مناطق جبلية، وأخرى صحراوية، وساحلية، خلقت تباينا في فرص الوصول للخدمات. وتعدّ مديريات مثل الروضة، وعتق من المناطق التي شهدت تغيرات سكانية متسارعة نتيجة النزوح، وغياب التنمية، والتدهور الأمني المتقطع.

10.2 المنهجية المستخدمة:

  • أدوات كميَّة: استبيان ميداني تم توزيعه على عينات من سكان مديرية الروضة وعتق؛ لرصد واقع الخدمات والاحتياجات.
  • أدوات نوعيَّة: مقابلات معمقة مع فاعلين محليين.
  • تحليل تقاطعي: مراجعة تقارير دولية مثل OCHA، واليونيسف، ومنصات تحليل المخاطر؛ لفهم العلاقة بين التصنيف الأمني وتراجع التدخُّلات.

10.3 أبرز نتائج الاستبيانات الميدانية:

أولاً – قطاع الإغاثة الغذائية:

  • أغلب الأسر لا تتلقى مساعدات غذائية، أو أنها لا تعرف الجهة المسؤولة عنها.
  • في حال استلام المساعدات، تكون متقطعة أو غير كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية.

ثانيًا – التعليم:

  • المدارس متوفرة جزئيًّا، ولكن تواجه تحديات حادة:
  • نقص المعلمين نتيجة تدني الرواتب، وانعدام الحوافز.
  • ضعف البنية التحتية، وانقطاع الكهرباء، والمياه في بعض المدارس.
  • غياب الدعم النفسي والتعليمي من المنظمات.

ثالثًا – الصحة:

  • غياب مراكز صحية قريبة في عدد من المناطق، أو وجودها بإمكانيات متدنية.
  • توفر الأدوية محدود جدًّا، وأغلب السكان يشترونها بأسعار مرتفعة.
  • لا توجد مساعدات صحية ملموسة من أي منظمة إنسانية وفق إفادة المشاركين.

رابعًا – المياه:

  • مصدر المياه الأساس هو الشراء أو حواجز مائية موسمية؛ مما يُرهق ميزانيات الأسر.
  • لا توجد مشاريع لتحسين الوصول إلى المياه، سواء عبر الشبكات أو الآبار.
  • جودة المياه ضعيفة؛ ما ينعكس على الصحة العامة.

خامسًا – الحماية:

  • الشعور بالأمان متذبذب، وخصوصًا بين النساء.
  • انتشرت مؤشرات حماية مقلقة مثل:
  • زواج القاصرات.
  • عنف أسري.
  • عمالة أطفال.
  • لا توجد خدمات دعم نفسي، أو مراكز حماية فعّالة.

سادسًا – أولويات السكان والاحتياجات:

  • تحسين نظام التعليم من حيث الكوادر والمحتوى.
  • توفير خدمات صحية متكاملة في كل مديرية.
  • دعم اقتصادي للأسر من خلال مشاريع صغيرة.
  • تطوير البنية التحتية من كهرباء، ومياه، وطرقات.
  • إعادة النظر في التصنيف الأمني الذي يحرم شبوة من الدعم الدولي.

 10.4 نتائج المقابلات النوعيَّة:

أولاً – طبيعة التدخُّلات:

  • وصف التدخُّلات بـ”شبه الغائبة“.
  • السبب الرئيس بحسب الفاعل المحلي: تصنيف وزارة التخطيط لشبوة محافظة غير آمنة؛ مما يدفع العديد من الجهات إلى التردد في العمل داخلها.

ثانيًا – التحديات والقيود:

  • انسحاب عدد من المنظمات الدولية، مثل اليونيسف.
  • غياب خطة تنسيق على مستوى المحافظة.
  • غموض حول الأسباب الفعلية لفجوة التمويل، وغياب خطط بديلة من السلطات.

ثالثًا – توصيات الفاعلين المحليين:

  • مراجعة التصنيف الأمني لشبوة بناءً على معايير واقعية.
  • إعادة تفعيل المشاريع التي توقفت بفعل الانسحاب، أو سوء التنسيق.
  • تمكين الشركاء المحليين من تنفيذ تدخلات تنموية، وإنسانية.

 10.5 تقاطع نتائج الميدان مع التقارير الدولية:

10,6 التوصيات لمحافظة شبوة:

شبوة تعيش حالة تهميش إنساني مركب، تتقاطع فيه المعوقات الأمنية والسياسية مع غياب البيانات الدقيقة، وانعدام التنسيق المؤسسي. وقد ساهم تصنيف شبوة كمحافظة ‘عالية المخاطر’ في تقليص التواجد الميداني للمنظمات الدولية، رغم الحاجة الإنسانيَّة المرتفعة، وهو ما يعكس تأثير العوامل السياسية على العدالة الجغرافية في الاستجابة بالرغم من وفرة الاحتياج الإنساني، فإن الاستجابة لا تزال دون المستوى المطلوب، والمنظمات الدولية لا تُولي اهتمامًا كافيًّا، إما بسبب ضعف المعلومات أو الخوف من بيئة العمل.

التوصيات:

  1. مطالبة وزارة التخطيط والتعاون الدولي بمراجعة التصنيف الأمني لشبوة بناء على تقارير ميدانية حديثة.
  2. تأسيس وحدة رصد ميدانية متخصصة في جمع، وتحليل بيانات الاحتياج الإنساني في المديريات الشرقيَّة.
  3. تمكين المنظمات المحلية المؤهلة من تنفيذ مشاريع بدعم دولي.
  4. إعادة تشغيل مشاريع الصحة والتعليم والمياه التي تم تجميدها.
  5. دمج ممثلين عن محافظة شبوة في عملية صياغة خطة الاستجابة الإنسانيَّة.
  6. تعزيز التنسيق المحلي من خلال تشكيل لجان إنسانية، أو مجالس تخطيط مشترك.

11 محافظة حضرموت: تحليل شامل للتدخلات الإنسانيَّة (2020-2025م)

11.1 الخلفية والسياق التنموي والإنساني:

محافظة حضرموت، الواقعة في جنوب شرق اليمن، تُعدّ من أكبر المحافظات مساحة، وأكثرها تنوعًا جغرافيًّا وديموغرافيًّا. تمتد من الساحل على البحر العربي حتى أعماق الصحراء الشرقيَّة، وتضم ضمن تقسيمها الإداري مناطق حضرية مهمة مثل المكلا، والشحر، وسيئون، وتريم، والقطن. هذا الامتداد الجغرافي جعل منها محافظة متعددة الهويات المكانية؛ إذْ تختلف احتياجات السكان، وتحدياتهم بين الساحل والوادي والصحارى النائية.

ورغم الاستقرار الأمني النسبي مقارنة بمحافظات أخرى، فإن حضرموت لم تحظَ بالاستجابة الإنسانيَّة المتناسبة مع حجمها وسكانها واحتياجاتها، بل عانت في كثير من الأحيان من تهميش تدريجي في سياسات التمويل الإنساني، واقتصرت التدخُّلات على برامج موسمية لا ترقى إلى مستوى الأزمات المتراكمة في قطاعات الصحة، والتعليم، والمياه، والحماية، وفرص العيش.

الكوارث المناخية (مثل السيول وارتفاع درجات الحرارة)، والانقطاع المستمر للكهرباء، والنمو السكاني غير المتوازن، كلها عوامل جعلت حضرموت بحاجة إلى مقاربة إنسانية متقدمة تقوم على العدالة، والتوزيع الجغرافي، والتخطيط طويل الأمد.

 11.2 منهجية التحليل الميداني:

منهجية تجمع بين أدوات كميَّة ونوعيَّة:

  • مقابلات معمقه مع ناشطين مجتمعيين.
  • استبيانات ميدانية نفذت في مديريات، مثل المكلا، والشحر، والغيل، وسيئون، وتريم، والقطن؛ لتغطية جانب من الوادي وجانب من الساحل.
  • ربط النتائج الميدانية بسياق حضرموت الأوسع، وتحديد فجوات الاستجابة الإنسانيَّة بناء على مدخلات المجتمع المحلي.
  • تحليل معمق لمؤشرات الضعف المؤسسي، التحديات البيئية، وضعف التنسيق بين الفاعلين المحليين والدوليين.

11.3 أبرز نتائج المسح الميداني والتحليل النوعي:

 طبيعة التدخُّلات الإنسانيَّة:

  • وصف المشاركون التدخُّلات بأنها محدودة، ومتقطعة، وغير متسقة، ويغلب عليها الطابع الإغاثي القصير الأمد، مثل: توزيع السلال الغذائية.
  • تركزت التدخُّلات في مراكز المدن بينما تُركت القرى والمناطق النائية خارج دوائر الاستهداف.
  • المشاركون من المجتمع المحلي أجمعوا على أن أغلب التدخُّلات لا تُبنى على دراسات احتياج فعلية، وأن آليات اختيار المستفيدين غير عادلة أو غير شفافة.

 قطاع التعليم:

  • التعليم يُعدّ من القطاعات شبه المتوفرة في مناطق وادي حضرموت، لكن الجودة تواجه تحديات كبيرة:
  • نقص حاد في الكتب المدرسية، والمستلزمات التعليمية.
  • غياب الكهرباء في معظم المدارس، أو الاعتماد على مصادر بديلة غير كافية؛ مما يُصعب التعليم خاصة في فصل الصيف.
  • عدم وجود برامج دعم نفسي، أو تحفيزي من قبل المنظمات للطلبة في المراحل الأساسية والثانوية.
  • غياب برامج تدريب وتأهيل للمعلمين؛ ما ينعكس على مستوى التحصيل.

   قطاع الصحة:

  • توجد مراكز صحية لكنها محدودة التجهيزات في أغلب المديريات.
  • المستشفيات الكبيرة تخدم نطاقًا سكانيًّا واسعًا يفوق قدرتها، ولا سيما أن المرضى من المناطق المجاورة يتوافدون إليها أيضًا.
  • أبرز التحديات التي رصدها المشاركون:
  • انعدام الأدوية، أو توفرها بشكل متقطع.
  • ضعف البنية التحتية في أقسام الطوارئ.
  • غياب برامج وقائية، خاصة لصحة الأم والطفل.
  • لا توجد مساعدات صحية ملموسة من منظمات دولية منذ عامين على الأقل.

   المياه والصرف الصحي:

  • يتم الاعتماد على الشبكة العامة، لكنها:
    • تعاني من ضعف الضخ، وانقطاعات متكررة.
    • لا توجد مشاريع لتحسين جودة المياه، أو معالجة النفايات السائلة.
  • أشار السكان إلى مشكلة كبرى تتعلق بـ الصرف الصحي؛ إذْ تنتشر المجاري في بعض الأحياء السكنية؛ ما يُسبب أمراضًا جلدية وتلوث بيئي.
  • لا توجد أي مشاريع حديثة لتحسين شبكة الصرف، أو توسيعها؛ لتغطية المناطق الآهلة بالسكان.

   الحماية والخدمات الاجتماعية:

  • يواجه السكان مجموعة من المخاطر الاجتماعية، على رأسها:
  • العنف الأسري داخل الأسر الفقيرة.
  • زواج القاصرات في المناطق الريفية.
  • عمالة الأطفال، وخاصة في الأسواق والورش.
  • تفشي إدمان المخدرات بين الشباب، دون وجود برامج وقاية أو علاج.
  • لا توجد مراكز حماية مجتمعية، ولا أي نشاط فعّال يخص الدعم النفسي، أو القانوني للفئات المتضررة.

11,4الفجوات الكبرى في استجابة العمل الإنساني بحضرموت:

11,5 الاحتياجات الأكثر إلحاحًا وفق المجتمع المحلي:

  1. تركيب أنظمة طاقة بديلة للمدارس والمراكز الصحية؛ لضمان استمرارية الخدمات.
  2. تحسين شبكات الصرف الصحي، وإنشاء محطات معالجة خاصة في المدن الرئيسة.
  3. دعم المراكز الصحية بالأدوية والمعدات، وتشغيل أقسام الطوارئ على مدار الساعة.
  4. تنفيذ برامج حماية مجتمعية تشمل الدعم النفسي، والتوعية، وتمكين المرأة والطفل.
  5. دعم فرص العمل للشباب عبر برامج تنمية سبل العيش، خاصة في الريف.
  6. بناء قواعد بيانات حديثة وشاملة للمستفيدين؛ لضمان العدالة، وعدم التكرار.

   11.6 توصيات منهجية لتحسين الاستجابة في حضرموت:

  • إنشاء مجلس تنسيقي مشترك بين السلطة المحلية، ومنظمات المجتمع المدني؛ لتوحيد الجهود.
  • توقيع مذكرات تفاهم واضحة مع الجهات الحكومية تُسهل العمل الإنساني، وتزيل العراقيل البيروقراطية.
  • تفعيل دور المجتمع المحلي في التخطيط والتنفيذ، خصوصًا الشباب والنساء.
  • إطلاق برامج تنموية تكاملية تشمل التعليم، والصحة، والمياه، والحماية.
  • استخدام التكنولوجيا والبيانات المفتوحة؛ لتتبع الاستجابة، وتوزيع المساعدات.
  • بناء شراكات حقيقية مع المنظمات الدولية؛ لاستدامة التدخُّلات، وتوسيع نطاقها.

حضرموت، برغم الاستقرار النسبي والموقع الاستراتيجي، لم تنل نصيبها العادل من التدخُّلات الإنسانيَّة؛ إذْ هناك فجوة ضخمة تفصل بين الاحتياج الفعلي وبين مستوى الاستجابة. كما أن غياب التنسيق، ونقص التمويل، وضعف المشاركة المجتمعية، عمّق من هذه الفجوة.

إذا أرادت الجهات المانحة والمنفذة تحقيق أثر حقيقي في حضرموت، فعليها إعادة النظر في طريقة التخطيط والتنفيذ، وتوسيع الشراكات المحلية، والتوجه نحو الاستدامة لا الإغاثة فقط.

 التحليل المقارن بين المحافظات الثلاث (المهرة،و شبوة، وحضرموت):

يهدف هذا التحليل إلى إبراز التباينات، والتقاطعات في حجم، ونوعيَّة التدخُّلات الإنسانيَّة بين المحافظات الثلاث، وتحديد أوجه الشبه، والاختلاف في القيود الميدانية، وفجوات الاستجابة، وسلوك الفاعلين المحليين والدوليين في التخطيط والتنفيذ.

يظهر هذا الجدول التباينات الجوهرية في الاستجابة الإنسانيَّة بين محافظات حضرموت، والمهرة، وشبوة. ففي حين تبدو حضرموت أكثر حضورًا في بعض التدخُّلات، إلا أنها تعاني من فجوة في الجودة والاستدامة. أما المهرة، فتمثل حالة من التهميش الجغرافي رغم الاستقرار النسبي، مع تدخلات موسمية لا تُراعي الاحتياجات الفعلية. وتُجسد شبوة التحدي الأكبر؛ إذْ أدى تصنيفها الأمني إلى شبه غياب تام للاستجابة؛ مما عمّق أزمات التعليم، والصحة، والمياه فيها. وتوضح المقارنة أن جميع المحافظات تشترك في ضعف التمويل، وغياب التنسيق، ومحدودية مشاركة المجتمعات المحلية؛ مما يتطلب إعادة نظر شاملة في أولويات، وتخطيط الاستجابة الإنسانيَّة في هذه المناطق

أبرز الفجوات المشتركة بين المحافظات الثلاث:

  1. فجوة التمويل:
  • ضعف التمويل أو تأخره سمة مشتركة، مع غياب المرونة المالية للتكيف مع الاحتياجات الطارئة، كالكوارث أو النزوح المفاجئ.
  1. فجوة التنسيق:
  • غياب آليات تنسيق فعلية بين المنظمات الفاعلة، والسلطات المحلية، وضعف المبادرات المشتركة، مما يؤدي إلى الازدواجية أو التداخل أو حتى غياب التدخل في بعض المناطق.
  1. فجوة العدالة في الاستهداف:
  • تكرار استهداف نفس الفئات، أو المناطق بسبب اعتماد المانحين على بيانات قديمة، أو كشوفات غير محدثة؛ مما أدى إلى تهميش الفئات الأشد فقرًا، أو المعزولة جغرافيًّا.
  1. فجوة البيانات:
  • الاعتماد على فرق مسح من خارج المحافظة يؤدي إلى بيانات غير دقيقة لا تعكس الواقع، وهو ما يؤثر على بناء خطط التدخل والتمويل.
  1. فجوة في استدامة التدخُّلات:
  • معظم التدخُّلات تركز على الإغاثة، بينما تغيب المشاريع التنموية متوسطة أو طويلة الأجل، لا سيما في قطاعات التعليم، والصحة، وسبل العيش، وتمكين المجتمعات.
  1. فجوة الحماية المجتمعية:
  • غياب تام لبرامج الحماية النفسية والاجتماعية، خاصة في شبوة وحضرموت، مع تصاعد قضايا زواج القاصرات، والعنف الأسري، وعمالة الأطفال.

العوامل السياسية والأمنية وتأثيرها على العدالة في توزيع التدخُّلات:

أظهرت نتائج الدراسة أن العوامل السياسية والأمنية لعبت دورًا حاسمًا في تشكيل خارطة التدخُّلات الإنسانيَّة في المحافظات الشرقيَّة، ليس فقط على مستوى حجم التمويل، بل أيضًا في طبيعة الاستجابة ونطاقها الجغرافي. ففي محافظة شبوة، على سبيل المثال، أدى تصنيفها كمنطقة “عالية المخاطر الأمنية” من قبل بعض الجهات المانحة إلى انسحاب عدد من المنظمات الدولية، وتجميد مشاريع قائمة، رغم استمرار احتياج السكان، وتدهور الخدمات الأساسية. كما ساهمت الانقسامات السياسية المحلية في إضعاف التنسيق بين السلطات والمنظمات، وغياب رؤية موحدة للاستجابة.

أما في المهرة، فقد تسببت الاعتبارات الجيوسياسية، والبعد الجغرافي في تهميشها ضمن خطط الاستجابة الوطنية، رغم الاستقرار النسبي فيها مقارنة بمحافظات النزاع المباشر. وعلى النقيض، استفادت بعض المناطق في حضرموت من الاستقرار الأمني النسبي، لكن التوزيع ظل متركزًا في مراكز المدن، دون وصول عادل للمناطق الريفية، أو الصحراوية.

إن غياب المعايير الفنية المحايدة في تحديد أولويات التدخل الإنساني، لصالح اعتبارات أمنية وسياسية، أدى إلى تقويض مبدأ العدالة الجغرافية في توزيع المساعدات. فبدلًا من أن يتم توجيه التدخُّلات بناءً على حجم الاحتياج الفعلي، أصبحت بعض المحافظات تُستثنى تلقائيًّا بسبب تصنيفات غير محدثة أو اعتبارات غير إنسانية؛ لذلك، فإن اعتماد نموذج استجابة قائم على بيانات دقيقة، ومؤشرات احتياج واضحة، يضمن وصول الدعم إلى الفئات الأشد ضعفًا، ويعيد التوازن الجغرافي بين المحافظات، لا سيما تلك التي تعاني من تهميش مزدوج كالمهرة وشبوة.

 12 التوصيات العامة لتحسين الاستجابة الإنسانيَّة في المهرة، وشبوة، وحضرموت:

 1 تأسيس وحدات تنسيق إنساني في المحافظات:

  • إنشاء غرف عمليات إنسانية دائمة على مستوى المحافظات، تضم ممثلين من السلطات المحلية، المنظمات الدولية، والمجتمع المدني، وتكون مسؤولة عن تنسيق الخطط، والإشراف على التوزيع العادل.

  2 اعتماد نهج الاستجابة المتكاملة:

  • تجاوز الإغاثة الطارئة نحو بناء تدخلات تنموية متكاملة تشمل (التعليم، والصحة، والمياه، الحماية، وفرص العمل .(

 3 تمويل مرن ومتعدد السنوات:

  • الدعوة إلى تخصيص صناديق تمويل طارئة دائمة للمحافظات الشرقيَّة، مع القدرة على تكييف الخطط وفق التغيرات الميدانية، والكوارث المناخية.

 4 تحديث قواعد البيانات وفرق المسح:

  • الاعتماد على فرق مسح محلية مدربة، وتحديث قواعد بيانات المستفيدين بشكل دوري، وتوحيدها بين المنظمات لتجنب التكرار.

5 تعزيز الشراكة مع المجتمعات:

  • تمكين الشباب والنساء في مراحل التخطيط، والتنفيذ، والمتابعة، عبر المجالس المجتمعية، أو اللجان المحلية.

  6 دعم البنية المؤسسية للمنظمات المحلية:

  • تدريب منظمات المجتمع المدني وتأهيلها؛ لتكون شريكًا فعّالا في الاستجابة، وليس مجرد منفذ للمشاريع.

  7 رفع تصنيف المحافظات المنسية:

  • العمل مع وزارة التخطيط والمنظمات الدولية؛ لإعادة تقييم الوضع الأمني في شبوة، وضمان أن تكون المهرة وحضرموت ضمن أولويات التمويل الإنساني.

 8 توسيع مفهوم الحماية الاجتماعية:

  • إدماج برامج الحماية المجتمعية في خطط الاستجابة، بما يشمل الدعم النفسي، والتوعية المجتمعية، ومناهضة العنف.

9 استخدام التكنولوجيا في الرصد والتقييم:

  • تطبيق أدوات رقمية في رصد الاحتياجات، وتقييم المشاريع ومتابعة الأثر؛ لضمان الشفافية والكفاءة.

10 استثمار التقارير الدولية:

  • توظيف التقارير والتحليلات الدولية؛ للضغط على المانحين ورفع أولوية هذه المحافظات في الخطط القُطرية، والتمويلات القادمة.

11 الانتقال الى المشاريع المستدامة:

  • الانتقال من نماذج الإغاثة الموسمية إلى برامج تنموية مستدامة تشمل التعليم، والصحة، وسبل العيش من خلال دعم مشاريع إنتاجية مجتمعية، وتمكين محلي حقيقي.

12 المشاركة المجتمعية:

  • إشراك المجتمعات المحلية في جميع مراحل الاستجابة من التخطيط إلى التقييم، بما في ذلك تشكيل لجان إنسانية مجتمعية على مستوى المديريات.

 الخاتمة:

تُبرز هذه الورقة واقعًا إنسانيًّا معقّدًا تعيشه المحافظات الشرقيَّة الثلاث في اليمن (حضرموت، والمهرة، وشبوة). فرغم التباين في الخصائص الجغرافية والديموغرافية، تتقاطع جميعها في معاناتها من التهميش، ونقص التمويل، وضعف التنسيق، وتدنّي الاستجابة الفعلية للاحتياجات.

الفرصة ما زالت قائمة لتصحيح المسار من خلال مقاربات تشاركية تضع المجتمعات المحلية في صلب القرار، وتعتمد على بيانات محدثة، وتمويل مستدام، وتكامل واضح بين التدخُّلات.

تقترح الدراسة تعزيز التكامل بين العمل الإنساني، والعمل التنموي، خاصة في المحافظات المستقرة أمنيًّا مثل حضرموت.

إن بناء نموذج استجابة إنسانية ناجحة في هذه المحافظات لا يتطلب فقط دعمًا ماليًّا، بل إرادة تنسيقية وسياسية ومجتمعية تعيد الثقة بين جميع الفاعلين، وتجعل من الإنسان وكرامته المحور الأساس لأي خطة أو تدخل.

ملاحظة:

نظرا للمتغيرات السياسية والبيئية المستمرة في المحافظات محل الدراسة، توصي الورقة بإجراء تحديث دوري للبيانات الميدانية؛ لضمان دقة التقديرات وتوافقها مع الواقع المتغير، لا سيما قبل استخدامها في إعداد الخطط، أو توجيه التدخُّلات العملية.

المقترحات المستقبلية:

في ضوء نتائج هذه الدراسة، وما كشفت عنه من فجوات وتحديات في التدخُّلات الإنسانيَّة بمحافظات المهرة، وشبوة، وحضرموت، تقترح الدراسة عددًا من الاتجاهات البحثيَّة، والدراسات المستقبلية التي من شأنها تعميق الفهم، وتطوير الاستجابة الإنسانيَّة في السياق اليمني، خاصة في المناطق غير المشمولة بشكل كافٍ في الخطط الدولية:

  1. تحليل أثر التصنيف الأمني على حجم، ونوعيَّة التدخُّلات الإنسانيَّة في المحافظات “منخفضة الأولوية”؛ لتقديم توصيات أكثر عدالة للمانحين الدوليين.
  2. تقييم فعالية غرف التنسيق الإنساني (إن وُجدت (على المستوى المحلي، واقتراح نماذج بديلة أكثر تكاملًا ومرونة.
  3. تصميم دراسات مقارنة بين المحافظات الشرقيَّة والغربية في اليمن؛ لقياس التفاوت في التمويل والنتائج، وبيان العوامل المؤثرة في فجوة العدالة الجغرافية.
  4. اقتراح نماذج تمويل مرنة قائمة على مؤشرات الاحتياج المباشر بدلاً من التصنيف السياسي، أو الأمني للمناطق.
  5. إنشاء قاعدة بيانات محدثة، ومتاحة للباحثين والمانحين تغطي الفجوات التنموية، والإنسانيَّة في المناطق الشرقيَّة، بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني المحلي.
  1. إجراء دراسات متخصصة؛ لفهم ديناميكيات الفئات المهمشة في المحافظات الشرقيَّة، مثل المهاجرين الأفارقة، والنساء في المناطق الريفية، واحتياجاتهم.
  2. الانتقال من تدخلات الاستجابة الطارئة إلى تدخلات التمكين.

المراجع

  1. مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيَّة (OCHA). (2023). خطة الاستجابة الإنسانيَّة لليمن 2023. متاح عبر: https://reliefweb.int
  2. اليونيسف (UNICEF). (2022). تقرير وضع الأطفال في اليمن.
  3. مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية. (2021). اليمن في مفترق الطرق: خارطة العمل الإنساني.
  4. مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانيَّة. (2020–2024). تقارير مشاريع الدعم الإنساني في اليمن.
  5. برنامج الأغذية العالمي (WFP). (2022). تحليل الأمن الغذائي في اليمن – التقرير القطري.
  6. البنك الدولي. (2021). تحليل الفقر وعدم المساواة في اليمن.
  7. وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنيَّة. (2020–2023). التقارير السنوية لاحتياجات المحافظات.
  8. مقابلات ميدانية وملاحظات الباحثة في محافظات: المهرة، شبوة، حضرموت. (2024–2025).
  9. استبيانات مجتمعية – جمع وتحليل مباشر ضمن الدراسة الحالية. (2024–2025).