الملخَّص:

تسعى هذه الورقة العلميَّة إلى تسليط الضوء على الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه القطاع السياحي في منطقة حوف بمحافظة المهرة في تعزيز التنمية الاقتصاديَّة المحلِّية، ودعم جهود السلام المجتمعي. وتتناول الورقة الإمكانات السياحيَّة الفريدة التي تتمتَّع بها المنطقة، لا سيما خلال موسم الخريف، وتستعرض كيف يمكن توظيف هذه الإمكانات في خلق فرص عمل، وتحفيز الاقتصاد المحلِّي، وتعزيز التماسك الاجتماعي في ظلِّ التحدِّيات التي تواجهها المنطقة. كما تقدِّم الورقة مجموعة من التوصيات العمليَّة لصنَّاع القرار، والجهات المعنيَّة لتفعيل دور السياحة أداة للتنمية المستدامة والسلام.

المقدّمة:

تُعدُّ منطقة حوف الواقعة في أقصى شرق محافظة المهرة من أبرز المناطق الطبيعيَّة في اليمن؛ إذْ تتميَّز بمناخها الفريد خلال موسم الخريف، وبغاباتها الكثيفة، وبتنوعها البيئي الغني، ممَّا يجعلها وجهة سياحيَّة واعدة على المستويين المحلِّي والدولي. ورغم هذه المقوِّمات، لا تزال السياحة في حوف قطاعًا غير مستغل بالشكل الأمثل، في ظلّ التحدِّيات التنمويَّة والأمنيَّة التي تمرُّ بها البلاد.

في هذا السياق، تبرز أهميَّة دراسة العلاقة بين السياحة والتنمية، ليس فقط من منظور اقتصادي، بل أيضًا من منظور اجتماعي وسلامي؛ إذْ يمكن للسياحة أن تشارك في خلق بيئة مستقرِّة، وتعزيز التفاهم بين مكوِّنات المجتمع، وتوفير بدائل اقتصاديَّة تقلِّل من التوتُّرات والصراعات.

منهجية البحث:

اعتمدت الورقة على منهج وصفي تحليلي، بالاستناد إلى تقارير ميدانيَّة، ومقابلات محلِّية، بالإضافة إلى مراجعة الأدبيَّات، والمراجع الرسميَّة حول السياحة، والتنمية المستدامة، والسلام المجتمعي.

الإطار النظري:

السياحة والتنمية المستدامة:

أولًا: السياحة كأداة اقتصاديَّة واجتماعيَّة:

تُعد السياحة من أكثر القطاعات الاقتصاديَّة ديناميكيَّة في العالم؛ إذْ تشارك في توليد الدخل، وخلق فرص العمل، وتحفيز الاستثمار في البنية التحتيَّة والخدمات. وقد أظهرت الدراسات أنَّ السياحة تمثِّل ما يزيد عن 10% من الناتج المحلِّي الإجمالي في العديد من الدول النامية، وتوفِّر ملايين الوظائف المباشرة، وغير المباشرة. (السعيدي وآخرون، 2021).

الجانب الاقتصادي:

تحفيز النمو المحلِّي: من خلال الإنفاق السياحي الذي ينعكس على قطاعات متعدِّدة، مثل: النقل، والإيواء، والأغذية، والحرف اليدويَّة. (العيساوي والبزياني، 2021).

تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسِّطة: السياحة تخلق بيئة مناسبة لنمو المشاريع المجتمعيَّة، خاصَّة في المناطق الريفيَّة والطبيعيَّة.

جذب الاستثمار: وجود نشاط سياحي نشط يشجِّع المستثمرين على تطوير الفنادق، والمرافق السياحيَّة.

الجانب الاجتماعي:

تعزيز التماسك المجتمعي: عبر إشراك السكَّان المحلِّيين في الأنشطة السياحيَّة، ممَّا يعزِّز الشعور بالانتماء والمسؤوليَّة. (غالي والباجوري، 2021).

تمكين الفئات المهمَّشة: مثل النساء والشباب، من خلال توفير فرص عمل، وتدريب في مجالات الإرشاد السياحي، والضيافة، والتسويق.

الحفاظ على التراث الثقافي: السياحة تشارك في إحياء الفنون التقليديَّة، والعادات المحلِّية، وتحفِّز المجتمعات على الحفاظ على هويَّتها.

ثانيًا: أبعاد التنمية المستدامة:

ظهر مفهوم التنمية المستدامة رسميًّا في تقرير “برونتلاند” عام 1987م، ويُعرف بأنَّه “التنمية التي تلبِّي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها”.Elfiky) ، 2019).

  1. البُعد الاقتصادي:

يركِّز على تحقيق النمو الاقتصادي المستمر، وتحسين مستوى المعيشة، وتوفير فرص العمل، مع ضمان الاستخدام الرشيد للموارد. (الصغير، 2021).

  1. البُعد الاجتماعي:

يسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعيَّة، والمساواة، وتمكين المجتمعات المحلِّية، وتعزيز الاستقرار، والتماسك الاجتماعي. (زعبوبي، 2019) .

  1. البُعد البيئي:

يهدف إلى حماية البيئة، والحفاظ على التنوُّع البيولوجي، وتقليل التلوُّث، وضمان استدامة الموارد الطبيعيَّة.

 

ثالثًا: السياحة كمدخل لتحقيق التنمية المستدامة:

عندما تُدار السياحة وفق مبادئ الاستدامة، فإنَّها تصبح أداة فعَّالة؛ لتحقيق الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة، وهي:

  1. الاقتصادي: امن خلال خلق فرص عمل، وتحفيز الاقتصاد المحلِّي.
  2. الاجتماعي: عبر إشراك المجتمعات المحلِّية، وتمكينها.
  3. البيئي: من خلال السياحة البيئيَّة التي تحافظ على الموارد، وتروِّج للسلوك المسؤول. (السعيدي وآخرون، 2021).

وقد أكدَّت منظَّمة السياحة العالميَّة أنَّ السياحة المستدامة يجب أن “تأخذ بعين الاعتبار آثارها الاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة، والبيئيَّة الحالية، والمستقبليَّة، وتلبِّي احتياجات الزوَّار، والصناعة، والبيئة، والمجتمعات المضيفة.UNWTO) ، 2021).

السياحة في السياق اليمني – نموذج منطقة حوف:

رغم التحدِّيات السياسيَّة والاقتصاديَّة التي تواجه اليمن، إلاَّ أنَّ البلاد تزخر بمقوِّمات سياحيَّة طبيعيَّة، وثقافيَّة فريدة تجعلها مؤهَّلة؛ لتطوير سياحة بيئيَّة، ومجتمعيَّة مستدامة. وتُعدُّ منطقة حوف بمحافظة المهرة من أبرز النماذج التي يمكن أن تشارك في تحقيق هذا الهدف. (وزارة السياحة اليمنيَّة، 2020).

  1. إمكانات منطقة حوف السياحيَّة:

تقع منطقة حوف في أقصى شرق محافظة المهرة، وتتميَّز بموقعها الجغرافي الفريد على الحدود مع سلطنة عُمان، وتُطِلُّ على بحر العرب. وتتمتَّع بتضاريس جبليَّة، وغابات كثيفة، ومناخ موسمي استثنائي خلال فصل الخريف، يجعلها وجهة سياحيَّة طبيعيَّة متميِّزة. (الهيئة العامَّة لحماية البيئة اليمنيَّة، بدون تاريخ).

تتوفَّر في المنطقة عناصر جذب متعدِّدة، منها التنوُّع البيئي، والهدوء، والطبيعة البكر، ممَّا يجعلها مناسبة للسياحة البيئيَّة، وسياحة الاستجمام، والسياحة الثقافيَّة.

  1. موسم الخريف كموسم جذب سياحي:

يُعرف موسم الخريف في حوف محلِّيًّا باسم “موسم خريف حوف”، وهو حدث سنوي يمتدُّ من يوليو إلى سبتمبر؛ إذْ تتساقط فيه الأمطار، وتكتسي الجبال بالخضرة، ويُغَطِّي الضباب الكثيف المنطقة، في مشهد نادر في شبه الجزيرة العربيَّة.

هذا الموسم يجذب آلاف الزوار من داخل اليمن وخارجه، ويُعدُّ فرصة ذهبيَّة؛ لتنشيط السياحة المجتمعيَّة، من خلال تنظيم مهرجانات محلِّية، وتسويق المنتجات التقليديَّة، وتقديم خدمات الإيواء من قبل السكَّان المحلِّيين. (UNDP، 2022).

  1. محميَّة حوف الطبيعيَّة:

تُعدُّ محميَّة حوف من أكبر المحميَّات الطبيعيَّة في اليمن، وتغطِّي مساحة تقدَّر بحوالي ثلاثمائة كيلومتر مربَّع. وتضمُّ أكثر من مئتين وعشرين نوعًا من النباتات، وأنواع نادرة من الطيور والثديِيَّات، وبيئة جبليَّة وساحليَّة متداخلة.

وقد تمَّ إعلانها محميَّة طبيعيَّة في عام 2005م، ما يعكس أهميَّتها البيئيَّة والسياحيَّة، ويجعلها محورًا رئيسًا في أيّ خطَّة لتطوير السياحة المستدامة في المنطقة. (الهيئة العامَّة لحماية البيئة اليمنيَّة، بدون تاريخ).

  1. الثقافة المحلِّية كعنصر جذب سياحي:

إلى جانب الطبيعة، تتميَّز حوف بثقافة محلِّية غنيَّة تشمل على العادات والتقاليد، والمأكولات الشعبيَّة، والحرف اليدويَّة. وتُعدُّ هذه العناصر من أهمِّ مكوِّنات السياحة الثقافيَّة؛ إذْ تتيح للزوَّار تجربة أصيلة، وتوفِّر دخلًا إضافيًّا للأسر المحلِّية.

كما أنَّ إشراك المجتمع المحلِّي في تقديم هذه التجارب يعزِّز من التماسك الاجتماعي، ويُشارك في بناء السلام المجتمعي، ويعزِّز من استدامة النشاط السياحي. (UNESCO، 2019).

 دور السياحة في التنمية الاقتصاديَّة:

تُعدُّ السياحة من أبرز القطاعات الاقتصاديَّة التي تشارك في تحقيق التنمية المستدامة، خاصَّة في المناطق ذات الخصوصيَّة البيئيَّة، والثقافيَّة، مثل: منطقة حوف في محافظة المهرة اليمنيَّة. وتتمثَّل أبرز أوجه مشاركة السياحة في التنمية الاقتصاديَّة في النقاط التالية:

  1. خلق فرص عمل مباشرة، وغير مباشرة:

يشارك النشاط السياحي في توفير فرص عمل مباشرة في مجالات الإرشاد السياحي، والنقل، والضيافة، والمطاعم، بالإضافة إلى فرص غير مباشرة في القطاعات الداعمة، مثل: الزراعة، والصيد، والحرف اليدويَّة. وتشير تقارير محلِّية إلى أنَّ السياحة في اليمن تشكِّل مصدر دخل مباشر لنحو خمسمائة ألف شخص، وغير مباشر لنحو مليون ونصف شخص، ممَّا يعكس أهميَّة القطاع في دعم سوق العمل المحلِّي. (الحاوري، 2002).

  1. دعم المشاريع الصغيرة:

تتيح السياحة فرصًا كبيرة لنموِّ المشاريع الصغيرة والمتوسِّطة، خصوصًا تلك المرتبطة بالخدمات السياحيَّة، مثل: النزل البيئيَّة، والمقاهي الريفيَّة، ومتاجر بيع المنتجات التقليديَّة كالعطور واللبان. وفي منطقة حوف، يعتمد السكَّان على هذه المشاريع بعدِّها مصدر دخل موسمي، خاصَّة خلال موسم الضباب الذي يمتدُّ من يوليو إلى سبتمبر، ويشهد تدفُّقًا سياحيًّا ملحوظًا من داخل اليمن، وسلطنة عمان المجاورة. (الحاوري، 2002).

  1. تنشيط القطاعات المرتبطة:

يشارك النشاط السياحي في تحفيز قطاعات أخرى، مثل: النقل الداخلي، والصناعات الغذائية، والبناء، والاتصالات. وفي حوف، يُلاحظ تنشيط الأسواق المحلِّية خلال الموسم السياحي، رغم التحدِّيات المرتبطة بضعف البنية التحتيَّة السياحيَّة، مثل: غياب الفنادق، والمرافق العامَّة، ممَّا يحدّ من استفادة هذه القطاعات بشكل كامل. (الحاوري، 2002).

  1. تعزيز الإيرادات المحلِّية:

تشارك السياحة في زيادة الإنفاق المحلِّي، ممَّا يعزِّز من الإيرادات غير الرسميَّة للسلطات المحلِّية والأسواق المجتمعيَّة. ورغم غياب نظام تحصيل سياحي منظَّم، فإنَّ السياحة في حوف تُعدُّ رافدًا اقتصاديًّا مهمًا، خاصَّة في ظلّ اعتماد السكَّان على الأنشطة الموسميَّة المرتبطة بالسياحة البيئيَّة. ويبلغ عدد سكَّان مديرية حوف حوالي “8,556” نسمة وفق تعداد 2017م، ويعتمد كثير منهم على السياحة كمصدر دخل رئيس خلال موسم الضباب. (الحاوري، 2002).

تحدِّيات تنمية السياحة في منطقة حوف:

رغم الإمكانات الطبيعيَّة والبيئيَّة التي تتمتَّع بها منطقة حوف بمحافظة المهرة، إلاَّ أنَّ السياحة فيها تواجه مجموعة من التحدِّيات التي تعيق تطورها كمصدر مستدام للتنمية والسلام، ومن أبرز هذه التحدِّيات:

  1. ضعف البنية التحتيَّة:

تعاني منطقة حوف من نقص كبير في البنية التحتيَّة السياحيَّة، مثل: الفنادق، والمطاعم، والطرق المعبدة، والمرافق العامَّة. هذا الضعف يُحِدُّ من قدرة المنطقة على استقبال السُّيَّاح، وتقديم خدمات مناسبة، ويؤثِّر سلبًا على تجربة الزوَّار. (الحاوري، 2002).

  1. محدوديَّة الترويج السياحي:

لا توجد حملات ترويجيَّة كافية للتعريف بالمنطقة على المستوى المحلِّي والدولي، رغم ما تتمتَّع به من مناخ فريد، وغابات موسميَّة نادرة. ويُعدُّ غياب استراتيجيَّة تسويقيَّة واضحة أحد أسباب ضعف الإقبال السياحي، خاصَّة من السُّيَّاح الدوليِّين. (أحمد، 2024).

  1. التحدِّيات الأمنيَّة والسياسيَّة:

تُعدُّ الأوضاع الأمنيَّة والسياسيَّة في اليمن بشكل عام من أبرز العوائق أمام تطور السياحة؛ إذْ تؤثِّر على حركة السفر، وتقلِّل من ثقة المستثمرين والسُّيَّاح. ورغم الاستقرار النسبي في المهرة، إلاَّ أنَّ قرب حوف من الحدود يجعلها عرضة للتأثُّر بالتوتُّرات الإقليميَّة. (البرنامج السعودي، 2023).

  1. غياب السياسات السياحيَّة المحلِّيَّة:

لا توجد سياسات محلِّيَّة واضحة لتنظيم وتطوير السياحة في حوف، سواء من حيث التخطيط العمراني، أو حماية البيئة، أو دعم المشاريع السياحيَّة. كما أنَّ غياب التنسيق بين الجهات الحكوميَّة والمنظَّمات غير الحكوميَّة يُحِدُّ من فعاليَّة الجهود التنمويَّة. (TYF، 2024).

دور السياحة في دعم جهود السلام:

تلعب السياحة دورًا متناميًا في دعم جهود السلام، خاصَّة في المناطق الحدوديَّة التي تعاني من هشاشة اقتصاديَّة واجتماعيَّة. وتُعدُّ منطقة حوف بمحافظة المهرة نموذجًا مهمًّا يمكن من خلاله تفعيل السياحة أداةً لبناء السلام المجتمعي، من خلال المحاور التالية:

  1. تعزيز التماسك الاجتماعي:

يشارك النشاط السياحي في تعزيز مشاركة المجتمع المحلِّي في عمليَّات التنمية، من خلال إشراك السكَّان في تقديم الخدمات السياحيَّة، والحفاظ على الموارد البيئيَّة، وتطوير المنتجات المحلِّيَّة. هذا التفاعل يعزِّز من الشعور بالانتماء، ويقلِّل من فرص التهميش، أو الانخراط في أنشطة غير سلمية. كما أنَّ السياحة المجتمعيَّة تتيح فرصًا للتعاون بين مختلف الفئات، وتُعيد بناء الثقة بين مكوِّنات المجتمع، خاصَّة في المناطق الخارجة من النزاع، أو التي تعاني من التهميش .(أحمد، 2024).

  1. تقليل التوتُّرات من خلال التنمية:

في البيئات التي تعاني من ضعف اقتصادي، أو انتشار أنشطة غير مشروعة، يمكن للسياحة أن توفِّر بدائل اقتصاديَّة مستقرَّة ومشروعة. فالمشاريع السياحيَّة الصغيرة، مثل: الإيواء المنزلي، والإرشاد البيئي، والحرف اليدويَّة، تفتح آفاقًا جديدة للدخل، وتقلِّل من الاعتماد على مصادر غير قانونيَّة. (مخبر الأمن القومي الجزائري، 2023).

وقد أظهرت التجارب في بعض الدول العربيَّة أنَّ دعم السياحة المجتمعيَّة شارك في تقليل معدَّلات البطالة، وتحسين مستوى المعيشة، ممَّا انعكس إيجابًا على الاستقرار الاجتماعي. وفي منطقة حوف، يمكن أن تشارك السياحة البيئيَّة في خلق بيئة مستقرَّة وآمنة، خاصَّة في ظلّ قربها من الحدود العمانيَّة.

  1. بناء صورة إيجابيَّة للمنطقة:

يشارك الترويج السياحي في تحسين صورة المنطقة على المستويين المحلِّي والدولي، ممَّا يعزِّز من فرص الاستثمار، ويشجِّع على التبادل الثقافي، ويقلِّل من الصور النمطيَّة السلبيَّة المرتبطة بالمناطق الحدوديَّة. وتُعدُّ حوف بمناخها الفريد، وغاباتها الموسميَّة وجهة واعدة لبناء هذه الصورة الإيجابيَّة. (أحمد، 2024).

  1. تمكين الشباب والنساء:

توفِّر السياحة فرصًا كبيرة لتمكين الشباب، والنساء من خلال التدريب، وريادة الأعمال، والمشاركة في الأنشطة الثقافيَّة والبيئيَّة. وقد أظهرت برامج دوليَّة، مثل: “الصمود الريفي” في اليمن أنَّ تمكين النساء في الصناعات المحلِّيَّة، والسياحيَّة يشارك في تعزيز الاستقرار المجتمعي وتحقيق السلام المحلِّي. (ILO، 2024).

  1. تشجيع الحوار الثقافي:

تُعدُّ السياحة وسيلة فعَّالة للتبادل الثقافي؛ إذْ تتيح للزوار التعرف على ثقافات جديدة، وتفتح المجال أمام المجتمعات المضيفة؛ للتعبير عن هويَّتها. هذا التفاعل يعزِّز من قيم التسامح والتفاهم، ويقلِّل من الصور النمطيَّة والصراعات الثقافيَّة. (غالي والباجوري، 2021).

كما أنَّ تنظيم مهرجانات ثقافيَّة وسياحيَّة يشارك في بناء جسور التواصل بين المجتمعات المحلِّيَّة والزوار، ويُعيد تشكيل صورة إيجابيَّة للمنطقة على المستويين المحلِّي والدولي.

بناءً على التحليل العلمي لدور السياحة في التنمية الاقتصاديَّة، ودعم جهود السلام في منطقة حوف بمحافظة المهرة، وبالنظر إلى التحدِّيات البنيويَّة، والمؤسَّسيَّة التي تواجه القطاع السياحي في المنطقة، يمكن تقديم التوصيات التالية؛ لتعزيز السياحة المستدامة:

  1. تطوير البنية التحتيَّة السياحيَّة البيئيَّة:

ينبغي تبنِّي نهجًا تنمويًّا يراعي الخصوصيَّة البيئيَّة لمنطقة حوف، من خلال:

  • إنشاء مرافق إيواء بيئيَّة صغيرة الحجم (Eco-lodges) تتماشى مع الطابع الطبيعي للمنطقة.
  • تحسين شبكة الطرق الداخليَّة بما يضمن سهولة الوصول دون الإضرار بالنظام البيئي.
  • توفير مرافق صحيَّة، وخدميَّة متنقِّلة خلال موسم الخريف؛ لتلبية احتياجات الزوار دون التأثير على البيئة.
  • اعتماد معايير البناء المستدام في أيِّ تطوير عمراني سياحي.
  1. إعداد خطة استراتيجيَّة محلِّيَّة لتنمية السياحة.

تتطلَّب منطقة حوف خطَّة استراتيجيَّة متكاملة تشمل:

  • تحديد أولويَّات الاستثمار السياحي وفقًا للموارد الطبيعيَّة، والثقافيَّة المتاحة.
  • إشراك المجتمع المحلِّي في صياغة الخطَّة؛ لضمان التوافق المجتمعي.
  • وضع آليات لحماية البيئة، والتنوُّع البيولوجي ضمن الخطّة.
  • إنشاء وحدة محلِّيَّة لإدارة السياحة بالتنسيق مع الجهات الحكوميَّة، والمنظَّمات الدوليَّة.
  1. تعزيز الترويج السياحي الرقمي، والثقافي.

ينبغي تطوير استراتيجيَّة تسويقيَّة تستند إلى:

  • إبراز موسم الضباب كمنتج سياحي فريد في شبه الجزيرة العربيَّة.
  • إنتاج محتوى رقمي احترافي (صور، وفيديوهات، وقصص) يبرز جمال المنطقة وثقافتها.
  • التعاون مع منصات السفر العالميَّة، والمؤثِّرين المحلِّيين، والدوليِّين.
  • تنظيم مهرجانات ثقافيَّة، وسياحيَّة سنويَّة تروّج للتراث المحلِّي، وتستقطب الزوَّار.
  1. تمكين المجتمع المحلِّي اقتصاديًّا، واجتماعيًّا.

يتطلَّب تعزيز السياحة المجتمعيَّة في حوف ما يلي:

  • تدريب الشباب، والنساء على المهارات السياحيَّة، مثل: الإرشاد، والضيافة، والتسويق.
  • دعم المشاريع الصغيرة المرتبطة بالسياحة، مثل: الحرف اليدويَّة، والإيواء المنزلي، والمأكولات الشعبيَّة.
  • توفير قروض صغيرة، ومنح تمويليَّة للمبادرات السياحيَّة المجتمعيَّة.
  • إنشاء جمعيَّات سياحيَّة محلِّيَّة تُعنى بتنظيم، وتطوير الأنشطة السياحيَّة.
  1. تعزيز الشراكات الدوليَّة؛ لدعم السياحة المستدامة.

ينبغي توسيع التعاون مع الجهات الدوليَّة من خلال:

  • الاستفادة من برامج التنمية الريفيَّة، والسياحة البيئيَّة التي تقدِّمها منظَّمات، مثل: البنك الدولي، UNDP، والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن.
  • تبادل الخبرات مع مناطق مشابهة في سلطنة عمان، ودول أخرى.
  • طلب الدعم الفنِّي، والمالي؛ لتطوير البنية التحتيَّة، وبناء القدرات المحلِّيَّة.
  • إدماج السياحة في الخطط الوطنيَّة للتنمية، والسلام.

 

الخاتمة:

تُعدُّ منطقة حوف بمحافظة المهرة نموذجًا واعدًا للسياحة البيئيَّة، والمجتمعيَّة في اليمن، لما تمتلكه من مقوِّمات طبيعيَّة فريدة تشمل: الغابات الموسميَّة، والتنوُّع البيولوجي، والمناخ الضبابي النادر، إلى جانب موقعها الجغرافي المميَّز على الحدود مع سلطنة عُمان. وقد بيّنت الدراسة أنَّ السياحة في حوف تتجاوز كونها نشاطًا اقتصاديًّا؛ لتُصبح أداة استراتيجيَّة في تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز التماسك الاجتماعي، وبناء السلام المحلِّي، خاصَّة من خلال تمكين الفئات المجتمعيَّة المهمَّشة كالشباب، والنساء.

ورغم التحدِّيات التي تواجه القطاع السياحي في المنطقة، مثل: ضعف البنية التحتيَّة، ومحدوديَّة الترويج، والتعقيدات الأمنيَّة، إلاَّ أنَّ الفرص المتاحة تظلُّ كبيرة، خصوصًا في ظلّ وجود جهات دوليَّة، ومحلِّيَّة فاعلة، مثل: الصندوق الاجتماعي للتنمية، والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، ومؤسسة تمدين شباب، التي يمكن أن تشارك في تحويل حوف إلى وجهة سياحيَّة مستدامة ذات أثر اقتصادي، واجتماعي ملموس.

إنَّ استثمار الإمكانات السياحيَّة لمنطقة حوف يتطلَّب رؤية منهجيَّة متكاملة، تشمل تطوير البنية التحتيَّة بما يتناسب مع الخصوصيَّة البيئيَّة، وإعداد خطَّة استراتيجيَّة محلِّيَّة تشاركية، وتعزيز الشراكات الدوليَّة لدعم السياحة المستدامة. ومن شأن هذه الجهود أن تشارك في تحسين جودة الحياة للسكَّان المحلِّيين، وتوفير فرص اقتصاديَّة بديلة، وترسيخ ثقافة السلام، والتعايش في واحدة من أكثر المناطق اليمنيَّة تميُّزًا من حيث الطبيعة، والهوية الثقافيَّة.

قائمة المراجع:

– أحمد، عوض عبد الله. (2024). دور السياحة في تحقيق السلام الاجتماعي. مجلة القلزم للدراسات الآثارية والسياحيَّة، (18)، 39–55.

– الحاوري، محمد أحمد. (2002). استراتيجيَّة تنمية قطاع السياحة في اليمن. المركز اليمني للدراسات الاستراتيجيَّة.

– الهيئة العامَّة لحماية البيئة اليمنيَّة. (بدون تاريخ). تقارير محميَّة حوف الطبيعيَّة.

– برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). (2022). السياحة والتنمية المستدامة في اليمن.

– الشكري، باسم محمد، جمال، دينا حامد. (2024). التنمية السياحيَّة المستدامة ودورها في تنمية وتطوير الموارد الطبيعيَّة: دراسة وصفية. المجلة الجزائرية للاقتصاد والتنمية.

– غالي، شريف محمد، الباجوري، سمر. (2021). السياحة الثقافيَّة كمدخل للتنمية المجتمعيَّة. مجلة دراسات في السياحة والضيافة، 3(2)، 55–70.

– عبد الله، علوية حسن. (2024). صناعة السياحة ودورها في تحقيق التنمية المستدامة. المجلة العربيَّة لعلوم السياحة والضيافة والآثار، 5(9)، 29–48.

– منظَّمة اليونسكو (UNESCO). (2019). السياحة كأداة للسلام والتنمية.

– وزارة السياحة اليمنيَّة. (2020). خطة تنمية السياحة البيئيَّة في المهرة.

– مؤسسة تمدين شباب (TYF). (2024). مبادرات تمكين الشباب والنساء في اليمن.

– مخبر الأمن القومي الجزائري. (2023). السياحة البيئيَّة ودورها في تحقيق التنمية السياحيَّة المستدامة: تجارب بعض الدول العربيَّة. أعمال المؤتمر العلمي الدولي حول التنمية السياحيَّة في البلدان العربيَّة.

– مقابلات ميدانيَّة وتقارير محلِّيَّة من محافظة المهرة (2023–2024).

– البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن. (2023). مشاريع تنمويَّة في محافظة المهرة. تم الاسترجاع من https://www.saudidevelopment.org

– World Tourism Organization (UNWTO). (2021). Tourism and Peace: A Global Perspective.

– Zabboubi, N. (2019). Sustainable Tourism Development and Its Role in the Development of Natural Resources: A Descriptive Study. Algerian Journal of Economics and Development, 2, 31–51.

منظر سياحي لمنطقة حوف

“تبحث الورقة دور السياحة البيئية في حوف بالمهرة وأثرها في دعم التنمية المستدامة والسلام، من خلال استعراض المقومات الطبيعية والثقافية، وفرص الاستثمار، والتحديات، وتوصيات عملية للتطوير